للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

اللفظ يكون عامًّا، أو مجملًا، أو ظاهرًا في بعض المحامل، أما إذا حملناه على نفي الحقيقة الشرعية لَمْ نَحتج إلى إضمار، فكان أولى.

ومن هذا البحث يُطَّلَع على كلام الفقهاء في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا نكاح إلَّا بوليّ"، فإنك إذا حملته على الحقيقة الشرعية لَمْ تحتج إلى إضمار، فإنه يكون نفيًا للنكاح الشرعيّ، وإن حملته على الحقيقة الحسية، وهي غير منتفية عند عدم الوليّ حسًّا احتجت إلى إضمار، فحينئذ يُضْمِر بعضهم الصحة، وبعضهم الكمال، وكذلك قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا صيام لمن لم يُبَيِّت الصيام من الليل". انتهى كلام ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا.

وقال في "الفتح": وحَكَى أبو الفتح اليَعْمُريّ عن جماعة من السلف أنهم قالوا: إن النهي عن الصلاة بعد الصبح، وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يُتَطَوَّع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي، كما قَصَدَ به وقت الطلوع، ووقت الغروب.

قال: ويُؤَيِّد ذلك ما رواه أبو داود، والنسائيّ في سناد حسنٍ (٢) عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "لا تُصَلُّوا بعد الصبح، ولا بعد العصر، إلَّا أن تكون الشمس نقيَّة"، وفي رواية: "مرتفعةً".

فدَلَّ على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع، ووقت الغروب، وما قاربهما واللَّه أعلم. انتهى (٣).

[تنبيه]: لفظ البخاريّ في هذا الحديث: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس"، قال ابن دقيق العيد -رَحِمَهُ اللَّهُ-: وفي هذا الحديث زيادة على الأول -يعني حديث عمر -رضي اللَّه عنه- فإنه مدّ الكراهة إلى ارتفاع الشمس، وليس المراد مطلق الارتفاع عن الأفق، بل الارتفاع الذي تزول عنده صفرة الشمس أو حمرتها،


(١) "إحكام الإحكام" ١/ ١٥١.
(٢) تقدّم أنه سند صحيح، وفيه وهب بن الأجدع، وهو تابعيّ روى عنه هلال بن يساف، والشعبيّ، ووثقه ابن حبّان والعجليّ، ولم يتكلم فيه أحد، فهو ثقةٌ، فتنبّه.
(٣) "الفتح" ٢/ ٧٤.