للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

ورحمته، فهو -صلى اللَّه عليه وسلم- بأبي هو وأمي- كما نعته اللَّه عزَّ وجلَّ بقوله: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨)} [التوبة: ١٢٨].

٦ - (ومنها): أن فيه بيان معجزة للنبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- حيث أخرج الشيطان عن قلب أبيّ -رضي اللَّه عنه- بضرب صدره.

٧ - (ومنها): بيان كرامة أُبيّ -رضي اللَّه عنه- حيث لم يتسلّط عليه الشيطان، فيغويه كما أغوى كثيرًا ممن كتب اللَّه عليهم الشَّقَاء بالتمادي على التكذيب، بل ألهمه اللَّه تعالى التوبة بضربه -صلى اللَّه عليه وسلم- في صدره، ودعوته له.

٨ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الذي وقع لأُبيّ -رضي اللَّه عنه- نَزْغة من الشيطان؛ ليشوّش عليه حاله، ويُكدّر عليه وقته، فإنه عظُمَ عليه من اختلاف القراءات ما ليس عظيمًا في نفسه، وإلا فأَيُّ شيء يلزم من المحال والتكذيب من اختلاف القراءات، لكن لما تولَّى اللَّه تعالى بكفايتهم أمرَ الشيطان لم يؤثّر تزيينه وتسويله أثرًا يَركَنُون إليه، ولا يدومون عليه، وإنما كان ذلك امتحانًا لسرائرهم؛ ليُبرز للوجود ما عَلِمَه اللَّه تعالى من ضمائرهم، ولـ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١]، وإلا فانظر مآل هذا الواقع ماذا كان؟، فإنه لَمّا رأى النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- ما أصابه من ذلك الخاطر نبّهه بأن ضرب في صدره، فأعقب ذلك بأن شرَحَ اللَّهُ صدره، وتنوّر باطنه، حتى آل له الكشف والشرح إلى حالة المعاينة، فلما ظهر له قُبْح ذلك الخاطر خاف من اللَّه تعالى، وسببه أنه قد حصَلَ منه التفات إلى ذلك الخاطر، وفَيْضُهُ بالْعَرَق إنما كان استحياءً من اللَّه تعالى، قال: وهذا الخاطر الذي خطر لأُبيّ -رضي اللَّه عنه- هو من قبيل ما قد أخبر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه لا يؤاخذ به، بل هو من قبيل ما قال فيه: "ذلك محض الإيمان" (١). انتهى (٢)، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) رواه مسلم برقم (١٣٣).
(٢) "المفهم" ٢/ ٤٥١ - ٤٥٢.