الميم-: جمع مولًى، يُطلق على الْمُعْتِق، بكسر التاء، والْمُعْتَق، بفتحها، وهو المراد هنا، وفي رواية النسائيّ:"رجلٌ من موالينا"(قَالَ) عمر -رضي اللَّه عنه- (فَاسْتَخْلَفْتَ عَلَيْهِمْ مَوْلًى؟) بتقدير همزة الاستفهام، أي أفاستخلفت إلخ، والاستفهام للإنكار، وليس إنكار عمر -رضي اللَّه عنه- توليته عليهم؛ استخفافًا به، واحتقارًا له، وإنما أنكر فوات غرض التولية، وذلك أن المقصود من التولية ضبط أمور الناس، وسياستهم، وهذا يَحتاج أن يكون الْمُوَلَّى عليهم رجلًا مُهابًا، له عظمةٌ وشرفٌ في قلوب العامّة، وذلك أن يكون حرًّا نسيبًا ذا وَجاهة، وإلا استخفّوا به، ولم يُطيعوه، فيفوت بذلك غرض الولاية، واللَّه تعالى أعلم.
(قَالَ) نافع -رضي اللَّه عنه- مبيّنًا سبب توليته عليهم، وأنه له مؤهّلًا لذلك (إِنَّهُ قَارِئٌ لِكِتَابِ اللَّهِ عزَّ وجلَّ) أي عالم بالقرآن، وعاملٌ به (وَإِنَّهُ عَالِمٌ بِالْفَرَائِضِ) أي بقسمة المواريث على كتاب اللَّه، زاد في رواية النسائيّ:"قاضٍ": أي عالم بالقضاء بين الناس بالعدل، والمعنى أن هذا الأمير رفعه اللَّه تعالى عليهم بهذه الأمور، وهم يعرفون منه ذلك، فيحترمونه، ويُعظّمونه، ويطيعون أمره، فتستقيم أمورهم، وتستقرّ أحوالهم، ولذلك (قَالَ عُمَرُ) -رضي اللَّه عنه- مستحسنًا فعل نافع، وأنه قد ولّى عليهم مَن يستحقّ الولاية (أَمَا) أداة استفتاح وتنبيه، كـ "ألا"(إِنَّ نَبِيَّكُمْ -صلى اللَّه عليه وسلم-) بكسر همزة "إن"؛ لوقوعها في الابتداء (قَدْ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ) أي يشرّف، ويكرم في الدنيا والآخرة، بأن يحييهم حياةً طيّبةً في الدنيا، كما قال عزَّ وجلَّ:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}[النحل: ٩٧] الآية، ويجعلهم في الآخرة {مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}[النساء: ٦٩](بِهَذَا الْكِتَابِ) أي القرآن الكريم البالغ في الشرف، وظهور البرهان مبلغًا لم يبلغه غيره من الكتب المنزّلة على الرسل المتقدّمة، قال الطيبيُّ: أطلق الكتاب على القرآن، ليثبت الكمال؛ لأن اسم الجنس إذا أُطلق على فرد من أفراده يكون محمولًا على كماله، وبلوغه إلى حدّ هو الجنس كلّه، كان غيره ليس منه. انتهى (١).
(أَقْوَامًا) أي يرفع درجة أقوام بسبب الإيمان به، وتعظيم شأنه، والعمل