للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

الشهوات، واستيلاء حبّ الدنيا على القلوب، فينيغي للمسلم أن يبتعد مما يكون سببًا لقسوة قلبه، ويكثر من ذكر الله تعالى، وذكر الموت والبلى، فإن ذلك يخرج حبّ الدنيا منه، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في إتمام ما وعدنا من استيفاء ما قاله أهل العلم في نسبته - صلى الله عليه وسلم - الإيمان إلى أهل اليمن:

قد أجاد الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى في ذلك، حيث قال: أما ما ذُكِر من نسبة الإيمان إلى أهل اليمن، فقد صَرَفُوه عن ظاهره، من حيث إن مبدأ الإيمان من مكة، ثم من المدينة - حرسهما الله تعالى - فحَكَى أبو عبيد، إمام الغريب، ثم مَن بعده في ذلك أقوالًا:

[أحدها]: أنه أراد بذلك مكة، فإنه يقال: إن مكة من تهامة، وتهامة من أرض اليمن.

[والثاني]: أن المراد مكة والمدينة، فإنه يروى في الحديث أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال هذا الكلام، وهو بتبوك، ومكة والمدينة حينئذ بينه وبين اليمن، فأشار إلى ناحية اليمن، وهو يريد مكة والمدينة، فقال: "الإيمان يمانٍ"، ونسبهما إلى اليمن؛ لكونهما حينئذ من ناحية اليمن، كما قالوا: الركن اليماني وهو بمكة، لكونه إلى ناحية اليمن.

[والثالث]: ما ذهب إليه كثير من الناس، وهو أحسنها عند أبي عبيد، أن المراد بذلك الأنصار؛ لأنهم يمانون في الأصل، فنسب الإيمان إليهم؛ لكونهم أنصاره.

قال الشيخ أبو عمرو رحمه الله تعالى: وأنا أقول: لو جَمَعَ أبو عبيد، ومَن سَلَك سبيله طُرُق الحديث بألفاظه، كما جمعها مسلم وغيره، وتأمّلوها، لصاروا إلى غير ما ذكروه، ولَمَا تركوا الظاهر، ولَقَضَوا بأن المراد اليمن، وأهل اليمن على ما هو المفهوم من إطلاق ذلك؛ إذ مِنْ ألفاظه: "أتاكم أهل اليمن"، والأنصارُ من جملة المخاطبين بذلك، فهم إذن غيرهم.

وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جاء أهل اليمن"، وإنما جاء حينئذ غير الأنصار، ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - وَصَفَهم بما يَقضي بكمال إيمانهم، ورَتَّبَ عليه: "الإيمانُ يَمَانٍ"، فكان ذلك نسبةً للإيمان إلى من أتاهم من أهل اليمن، لا إلى مكة والمدينة.