دَعَوْتُ لِمَا نَابَنِي مِسْوَرَا … فَلَبَّى فَلَبَّيْ يَدَيْ مِسْوَرِ
وكذا شذّ إضافتها لضمير الغائب في قوله:
فَقُلْتُ لَبَّيْهِ لِمَنْ يَدْعُونِي
وإلى هذا أشار ابن مالك -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "الخلاصة" بقوله:
وَبَعْضُ مَا يُضَافُ حَتْمًا امْتَنَعْ … إِيلَاؤُهُ اسْمًا ظَاهِرًا حَيْثُ وَقَعْ
كَـ "وَحْدَ" "لَبَّيْ" وَ"دَوَالَيْ" "سَعْدَيْ" … وَشَذَّ إِيلَاءُ "يَدَيْ" لِـ "لَبَّيْ"
(وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ) معناه: الإقرار بأن كل خير واصلٍ إلى العباد، ومرجوٍّ وصوله إليهم، فهو في يديه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
زاد الشافعيّ، عن مسلم بن خالد، عن موسى بن عقبة: "والمَهْديّ من هديت"، قال الخطابيّ وغيره: فيه الإرشاد إلى الأدب في الثناء على اللَّه تعالى، ومدحه بأن يضاف إليه محاسن الأمور، دون مساويها على جهة الأدب. انتهى.
(وَالشَرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ) قال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: لا يضاف إليك مخاطبةً ونسبةً؛ تأدّبًا مع أنه بقضاء اللَّه تعالى وخلقه، كالخير، كما قال اللَّه تعالى: {قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الآية [النساء: ٧٨]، وقال: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧)} [الأنعام: ١٧]. انتهى (١).
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا مما يجب تأويله؛ لأن مذهب أهل الحق أن كل المحدثات فعل اللَّه تعالى وخلقه، سواء خيرها وشرّها، وحينئذ يجب تأويله، وفيه للعلماء خمسة أقوال:
"أحدها": معناه أنه لا يتقرب به إليك، قاله الخليل بن أحمد، والنضر بن شُميل، وإسحاق ابن راهويه، ويحيى بن معين، وأبو بكر بن خزيمة، والأزهريّ، وغيرهم.
"الثاني": حكاه الشيخ أبو حامد، عن المزنيّ، وقاله غيره أيضًا: معناه: لا يضاف إليك على انفراده، لا يقال: يا خالق القردة والخنازير، ويا رب الشر، ونحو هذا، وإن كان خالق كل شيء، ورب كل شيء، وحينئذ يدخل الشر في العموم.
(١) "المفهم" ٤/ ٤٠١ - ٤٠٢.