وهي الليلة التي تُقَدَّر فيها الأرزاق، وتُقْضَى، وصححه النوويّ، فقال في "شرح المهذب": سُمَّيت ليلة القدر؛ أي: ليلة الحكم والفصل، هذا هو الصحيح المشهور، وحكاه في "شرح مسلم" عن العلماء. انتهى كلام وليّ الدين -رَحِمَهُ اللَّهُ- (١)، وهو بحثٌ مفيدٌ.
[فإن قلت]: لماذا عَبَّر هنا في ليلة القدر بالمصارع في الشرط، وبالماضي في جوابه، بخلافه في رمضان؟.
[قلت]: أجاب الكومانيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بأن لذلك نكتةً لطيفةً، قال: لأن قيام رمضان محقَّق الوقوع، وكذا صيامه، بخلاف قيام ليلة القدر، فإنه غير متيقن، فلهذا ذكره بلفظ المستقبل. انتهى. قال في "الفتح": وفيه نظرٌ.
وقال غيره: استعمل لفظ الماضي في الجزاء؛ إشارةً إلى تحقق وقوعه، فهو نظير قوله تعالى:{أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} الآية [النحل: ١].
وفي استعمال الشرط مضارعًا، والجواب ماضيًا نزاع بين النحاة، فمنعه الأكثر، وأجازه آخرون، لكن بقلّة، استدلوا بقوله تعالى:{إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ} الآية [الشعراء: ٤]؛ لأن قوله:{فَظَلَّتْ} بلفظ الماضي، وهو تابع للجواب، وتابع الجواب جواب، واستدلّوا أيضًا بهذا الحديث.
قال الحافظ: وعندي في الاستدلال به نظر؛ لأنني أظنه من تصرف الوواة؛ لأن الروايات فيه مشهورة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- بلفظ المضارع في الشرط والجزاء، وقد رواه النسائيّ عن محمد بن علي بن ميمون، عن أبي اليمان، شيخ البخاريّ فيه، فلم يغاير بين الشرط والجزاء، بل قال:"من يقم ليلة القدر، يغفر له"، ورواه أبو نعيم في "المستخرج" عن سليمان، وهو الطبرانيّ، عن أحمد بن عبد الوهاب بن نَجْدة، عن أبي اليمان، ولفظه زائد على الروايتين، فقال:"لا يقوم أحدكم ليلة القدر، فيوافقها إيمانًا واحتسابًا، إلا غفر اللَّه له ما تقدم من ذنبه".
وقوله في هذه الرواية:"فيوافقها" زيادة بيان، وإلا فالجزاء مرتَّبٌ على قيام ليلة القدر، ولا يَصْدُق قيام ليلة القدر إلا على من وافقها، والحصر