قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ولا أعلم اختلافًا في أن رجلًا بعد أن أدى صلاة فرض كما فُرضت عليه، ثم أراد بعد أن فرغ منها نَقْضَها أن لا سبيل له إليه، فحُكْمُ المختَلَفِ فيه من الوتر حُكْمُ ما لا نعلمهم اختلفوا فيه، مما ذكرناه، وكذلك الحجّ، والصوم، والعمرة، والاعتكاف، لا سبيل إلى نقض شيء منها بعد أن يُكْمِلها.
رَوَينا عن أبي بكر الصدّيق -رضي اللَّه عنه- أنه قال: أما أنا فإني أنام على وتر، فإن استيقظت صليت شفعًا حتى الصباح، وروي هذا القول عن ابن عبّاس، خلاف القول الأول، ورَوَينا ذلك عن عائذ بن عمرو، وسعد بن أبي وقّاص، وعمّار بن ياسر، وعائشة -رضي اللَّه عنهم-، ومَن رُوي عنه من أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذه المسألة قولان، فلعلّه قد فعل الفعلين جميعًا.
وكان علقمة لا يرى نقض الوتر، وهكذا مذهب النخعيّ، وطاوس، وأبي مِجْلَز، وبه قال مالك، والأوزاعيّ، وأحمد بن حنبل، وأبو ثور. انتهى كلام ابن المنذر -رضي اللَّه عنه- باختصار.
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: المذهب الراجح عندي هو مذهب أكثر أهل العلم، وهو عدم نقض الوتر؛ إذ لا دليل عليه، كما قرره ابن المنذر -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وأن من صلى الوتر قبل النوم، ثم استيقظ بعد النوم صلى ركعتين ركعتين، وأما احتجاج القائلين بنقض الوتر بحديث:"اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا"، فالجواب عنه أن الأمر فيه ليس للإيجاب، وإنما هو للاستحباب، بدليل أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا، فإنه يدلّ على أن الأمر المذكور للاستحباب، لا للإيجاب، واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): في اختلاف أهل العلم في حكم قضاء الوتر:
قال في "الفتح": اختَلَفَ السلف في مشروعية قضائه، فنفاه الأكثر، وفي "صحيح مسلم" وغيره عن عائشة -رضي اللَّه عنها- أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان إذا نام من الليل من وجع أو غيره، فلم يَقُمْ من الليل، صلى من النهار ثنتي عشرة ركعةً.
وقال محمد بن نصر -رَحِمَهُ اللَّهُ-: لم نَجِدْ عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في شيء من الأخبار، أنه قَضَى الوتر، ولا أمر بقضائه، ومن زعم أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- في ليلة نومهم عن الصبح في الوادي قضى الوتر، فلم يُصِبْ.