قال الطيبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أي: العمل الذي يدوم عليه صاحبه، ويستقرّ عليه عامله، ومن ثَمّ أدخل حرف التراخي في قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} الآية [فصلت: ٣٠، والأحقاف: ١٣]، والمراد بالدوام الملازمة العرفية، لا شمول الأزمنة؛ لأنه متعذّر. انتهى.
وقال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: سبب محبته -صلى اللَّه عليه وسلم- الدائم أن فاعله لا ينقطع عن عمل الخير، ولا ينقطع عنه الثواب والأجر، ويجتمع منه الكثير، وإن قلّ العمل في الزمان الطويل، ولا تزال صحائفه مكتوبة بالخير، ومَصعَد عمله معمورًا بالبرّ، ويحصل به مشابهة الملائكة في الدوام، واللَّه تعالى أعلم. انتهى (١).
(قَالَ) مسروق (قُلْتُ: أَيَّ حِينٍ كَانَ يُصَلِّي؟) بنصب "أيَّ" على الظرفيّة، ويتعلّق بـ "يصلي"، ورفعه على أنه مبتدأ، خبره جملة "كان يصلي"، والرابط محذوفٌ؛ أي:"فيه".
والمعنى: في أيّ أوقات الليل كان -صلى اللَّه عليه وسلم- يقوم، فيصلي فيه؟
(فَقَالَتْ) عائشة -رضي اللَّه عنها- (كَانَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (إِذَا سَمِعَ الصَّارخَ قَامَ فَصَلَّى) تعني: أنه يقوم في الليل وقت سماعه صوت الصارخ، وهو الديك، قال النوويُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو المراد هنا باتفاق العلماء، وسُمِّي صارخًا؛ لكثرة صياحه.
وقال في "الفتح": وقع في "مسند الطيالسي" في هذا الحديث: "الصارخُ الديكُ"، والصَّرْخَة: الصيحة الشديدة، وجَرَت العادة بأن الديك يصيح عند نصف الليل غالبًا، قاله محمد بن نصر -رَحِمَهُ اللَّهُ-، وقال ابن التين -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هو موافق لقول ابن عباس -رضي اللَّه عنهما-: "نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل". وقال ابن بطال -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الصارخ يصرخ عند ثلث الليل، وكان داود يتحرّى الوقت الذي ينادي اللَّهُ فيه:"هل من سائل؟ "، كذا قال، والمراد بالدوام قيامه كلّ ليلة في ذلك الوقت، لا الدوام المطلق.
وقال صاحب "المرعاة": لعل صراخ الديك في الليل يختلف باختلاف البلاد، وفي بلادنا يصيح في الثلث الأخير، بل في السدس الأخير.
وروى أحمد، وأبو داود، وابن ماجه عن زيد بن خالد الجهنيّ -رضي اللَّه عنه-،