أَظْهُرهم، كلُّها بمعنى بينهم، وفائدة إدخاله في الكلام أن إقامته بينهم على سبيل الاستظهار بهم، والاستناد إليهم، وكأنّ المعنى أن ظهرًا منهم قُدّامه، وظهرًا وراءه، فكأنه مكنوفٌ من جانبيه، هذا أصله، ثم كثُر حتى استُعْمِل في الإقامة بين القوم، وإن كان غير مكنوف بينهم، قاله في "المصباح"(١).
(قَالَ) أبو قتادة -رضي اللَّه عنه- (فَجَلَسْتُ) أي: دون أن يصلي ركعتين (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا) استفهاميّةٌ، والاستفهام للإنكار (مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ؟ ") هذا يدلّ على أن أبا قتادة -رضي اللَّه عنه- كان يعلم قبل ذلك مشروعيّة ركعتين لمن دخل المسجد قبل أن يجلس، وإلا لما أنكر عليه في ذلك، بل كلّمه في مشروعيّتهما (قَالَ) أبو قتادة معتذرًا من عدم صلاته (فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، رَأَيْتُكَ جَالِسًا، وَالنَّاسُ جُلُوسٌ) أي: فجلست موافقةً لكم، أو فاستحييت مخالفتكم، فجلست دون أن أركعهما (قَالَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- ("فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ، فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ") فيه التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة ركعتين، واستحبابهما في أيّ وقت دخل، وهو مذهب الشافعيّ، وجماعة، وهو الأرجح، كما أسلفنا تحقيقه في شرح الحديث الماضي.
[تنبيه]: عموم هذا الحديث يشمل المسجد الحرام، وأما ما اشتهر بين الناس من أن تحيّة المسجد الحرام هو الطواف، لا الصلاة، فمخالف لهذا الحديث وغيره، فتحيّة المساجد مطلقًا هي صلاة ركعتين، ولا ينافي ذلك كون السنّة أن يبدأ من أحرم بالحجّ، أو العمرة أن يبدأ بالطواف؛ لأن الذي يبدأ بالطواف يصلي عقبه ركعتي الطواف قبل أن يجلس، فقد حصل المطلوب من امتثال الأمر بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين"، وكذلك لا يتناوله النهي بقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إذا دخل أحدكم المسجد، فلا يجلس حتى يركع ركعتين".
والحاصل أن من دخل المسجد الحرام إن كان لا يريد الطواف، فليركع ركعتين قبل أن يجلس، وإن كان يريد الطواف لحج أو عمرة، أو تطوّعًا،