حديث الراوي؛ لأن غاية ذلك أن يكون غَلِطَ ووَهِمَ في ذكر عَبِيدة بدل منصور، ومَن الذي يسلم من هذا من المحدثين؟.
(الثالث): أن أنسًا -رضي اللَّه عنه- أخبر أنهم لم يكونوا يقنتون، وأن بدء القنوت هو قنوت النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعو على رعل وذكوان، ففي "الصحيحين" من حديث عبد العزيز بن صهيب، عن أنس -رضي اللَّه عنه- قال: بعث رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- سبعين رجلًا لحاجة يقال لهم: القراء. . . فذكر الحديث، وفيه:"فدعا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عليهم شهرًا في صلاة الغداة، فذلك بدء القنوت، وما كنا نقنت".
فهذا يدل على أنه لم يكن من هديه -صلى اللَّه عليه وسلم- القنوت دائمًا، وقول أنس: فذلك بدء القنوت، مع قوله: قنت شهرًا، ثم تركه دليل على أنه أراد بما أثبته من القنوت قنوت النوازل، وهو الذي وقّته بشهر، وهذا كما قنت في صلاة العتمة شهرًا، كما في "الصحيحين" عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قنت في صلاة العتمة شهرًا، يقول:"اللَّهم أنج عياش بن الوليد. . . " الحديث.
وقد روي عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- أنه قنت لهم أيضًا في الفجر شهرًا، وكلاهما صحيح، وقد تقدم ذكر حديث عكرمة، عن ابن عباس: قنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- شهرًا متتابعًا في الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح، ورواه أبو داود وغيره، وهو حديث صحيح.
وقد ذكر الطبراني في "معجمه" من حديث محمد بن أنس، حدثنا مُطَرِّف بن طَرِيف، عن أبي الجهم، عن البراء بن عازب، أن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كان لا يصلي صلاة مكتوبة، إلا قنت فيها (١)، قال الطبراني: لم يروه عن مطرف إلا محمد بن أنس. انتهى.
وهذا الإسناد، وإن كان لا تقوم به حجة، فالحديث صحيح من جهة المعنى؛ لأن القنوت هو الدعاء، ومعلوم أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يصل صلاة مكتوبة إلا دعا فيها، كما تقدم، وهذا هو الذي أراده أنس في حديث أبي جعفر الرازي إن صحّ أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا، ونحن لا نشك، ولا