وزاد في رواية كهمس التالية:"فقالوا: ما يسرُّنا أنا كنّا تحوّلنا"، وفي رواية ابن حبّان المذكورة:"قال: فما ودِدْنا أنا بحضرة المسجد؛ لما قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قال".
[تنبيه]: هذا الحديث هو سبب نزول قول تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس: ١٢]، فقد أخرج الترمذي من حَدِيْث أَبِي سُفْيَان السعديّ، عَن أَبِي نضرة، عَن أَبِي سَعِيد، قَالَ: كَانَتْ بنو سَلِمَة فِي ناحية المدينة، فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد، فَنَزَلت هذه الآية:{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}[يس: ١٢]، فقام رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إن آثاركم تكتب"، فَلَمْ ينتقلوا.
وأبو سُفْيَان فِيهِ ضعف، والصحيح: رِوَايَة مسلمٍ، عَن أَبِي نضرة، عَن جابر المذكور في الباب، كذا قاله الدارقطنيّ وغيره.
وأخرج ابن ماجه من رِوَايَة سماك، عَن عَكْرِمَة، عَن ابن عَبَّاس، قَالَ: كَانَت الأنصار بعيدةً منازلهم من المسجد، فأرادوا أن يقربوا، فَنَزَلت:{وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}، قَالَ: فثبتوا.
وفي حَدِيْث أَنَس: فكره رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يعروا المدينة أو منازلهم.
يعني: يخلوها فتصير عراةً من الأرض.
والعراء: الفضاء الخالي من الأرض، ومنه: قوله تعالى: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ}[الصافات: ١٤٥](١).
[تنبيهٌ آخر]: بيّن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا الحديث سبب نهيه لهم عن النُّقْلة، وهو قلّة ثوابهم في قربهم المسجد بسبب قلّة آثارهم، وكثرته في بعدهم، وزاد في حديث أنس -رضي اللَّه عنه- عند البخاريّ سببًا آخر، وهو أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كَرِه أن تُعْرَى نواحي المدينة من سُكّانها، فقد أخرج الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- في "صحيحه" عن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا بني سَلِمَة ألا تحتسبون آثاركم؟ ".
ثم أخرج عن أنس -رضي اللَّه عنه- أن بني سَلِمَة أرادوا أن يتحولوا عن منازلهم، فينزلوا قريبًا من النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: فكره رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يُعْرُوا المدينة، فقال:"ألا تحتسبون آثاركم".