للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وقال في مادّة "ظلّ": "الظلُّ"، قال ابن قتيبة: يذهب الناس إلى أن الظلّ والفيء بمعنى واحد، وليس كذلك، بل الظلّ يكون غُدْوةً وعَشيّةً، والفيءُ لا يكون إلا بعد الزوال، فلا يقال لما قبل الزوال: فَيءٌ، وإنما سُمّي بعد الزوال فيئًا؛ لأنه ظلٌّ فاءَ من جانب المغرب إلى جانب المشرق، والفيءُ: الرجوع، وقال ابن السّكِّيت: الظلّ من الطلوع إلى الزوال، والفيء من الزوال إلى الغروب، وقال ثعلب: الظلّ للشجرة وغيرها بالغداة، والْفَيءُ بالعشيّ، وقال رؤبة بن الْعَجّاج: كلُّ ما كانت عليه الشمسُ، فزالت عنه، فهو ظلٌّ وفَيْءٌ، وما لم تكن عليه الشمس، فهو ظلٌّ، ومن هنا قيل: الشمس تنسخ الظلّ، والفيءُ ينسخ الشمس. انتهى (١).

وقوله: (بَعْدُ) من الظروف المبنيّة على الضمّ؛ لقطعها عن الإضافة ونيّة معناها، أي بعد ظهور الشمس عليه، وقوله: (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ) أي ابن أبي شيبة، شيخه الأوّل (لَمْ يَظْهَرِ الْفَيْءُ بَعْدُ) أشار به إلى اختلاف شيخيه: أبي بكر، وعمرو الناقد في لفظ الحديث، فقال عمرو: "لم يفئ الفيء بعدُ"، وقال أبو بكر: "لم يظهر الفيء بعدُ"، أي لم يظهر الظلّ في داخل حجرتها بعد ظهور الشمس فيه.

وفي الرواية الماضية: "والشمس في حُجرتها قبل أن تظهر"، أي قبل أن يرتفع ضوءها من داخل الحجرة، وينبسط فيه الظل، فالظهور هنا كما قال الخطابيّ بمعنى الصعود والعلوّ، يقال: ظهرتُ على الشيء: إذا عَلَوته، ومنه قوله تعالى: {وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ} [الزخرف: ٣٣].

وقال في "الفتح": وقوله في رواية الزهريّ: "والشمس في حُجرتها" أي باقية، وقوله: "لم يظهر الفيء" أي في الموضع الذي كانت الشمس فيه، وقد تقدم في أول المواقيت من طريق مالك، عن الزهري بلفظ: "والشمس في حجرتها قبل أن تظهر" أي ترتفع، فهذا الظهور غير ذلك الظهور، ومحصله أن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة، وبظهور الفيء انبساطه في الحجرة، وليس بين الروايتين اختلاف؛ لأنَّ انبساط الفيء لا يكون إلا بعد


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٣٨٥ - ٣٨٦ و ٤٨٦.