{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا}، ويَرِدُ بمعانٍ أُخَرَ، فيُحْمَل قوله:"فاقضُوا" على معنى الأداء، أو الفراغ، فلا يغاير قوله:"فاتموا".
فلا حُجَّة فيه لمن تمسك برواية "فاقضوا"، على أن ما أدركه المأموم هو آخر صلاته، حتى استَحَبَّ له الجهر في الركعتين الأخيرتين، وقراءة السورة، وترك القنوت، بل هو أوَّلها، وإن كان آخر صلاة إمامه؛ لأن الآخر لا يكون إلا عن شيء تقدمه.
وأوضح دليل على ذلك أنه يَجِب عليه أن يتشهد في آخر صلاته على كل حالٍ، فلو كان ما يدركه مع الإمام آخرًا له لما احتاج إلى إعادة التشهد.
وقول ابن بطال: إنه ما تشهد إلا لأجل السلام؛ لأن السلام يحتاج إلى سبق تشهد، ليس بالجواب الناهض على دفع الإيراد المذكور.
واستَدَلَّ ابن المنذر لذلك أيضًا على أنهم أجمعوا على أن تكبيرة الافتتاح لا تكون إلا في الركعة الأولى.
وقد عَمِلَ بمقتضى اللفظين الجمهور، فإنهم قالوا: إن ما أدرك المأموم هو أول صلاته، إلا أنه يقضي مثل الذي فاته من قراءة السورة، مع أم القرآن في الرباعية، لكن لم يستحبوا له إعادة الجهر في الركعتين الباقيتين، وكأن الحجة فيه قوله:"ما أدركت مع الإمام فهو أول صلاتك، واقْضِ ما سبقك به من القرآن"، أخرجه البيهقيّ.
وعن إسحاق والمزنيّ: لا يقرأ إلا أمّ القرآن فقط، وهو القياس. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه عنه: سيأتي تمام البحث في هذه المسألة قريبًا مع ترجيح القول: إن ما يقضيه المسبوق، فهو أول صلاته -إن شاء اللَّه تعالى- واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.