(فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَا لِي) "ما" استفهاميّةٌ مبتدأ، والجارّ والمجرور خبره، والاستفهام للإنكار، وقوله:(رَأَيْتُكُمْ أَكْثَرْتُمُ التَّصْفِيقَ؟) جملة في محلّ نصب على الحال من المجرور، وفي رواية النسائيّ: "فلما فرغ أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس ما لكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق؟ ".
(مَنْ) شرطيّة، جوابها "فليُسبّح" (نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ) أي أصابه، وعرض له في خلال صلاته شيء مما يقتضي إعلام غيره بشيء، من تنبيه إمامه على خلل يريد فعله في الصلاة، أو رؤية أعمى يقع في بئر، أو نحو ذلك (فَلْيُسَبِّحْ) وفي رواية النسائيّ: "فليقل: سبحان اللَّه"، وحمل الجمهور الأمر على الندب، وسيأتي البحث عنه مستوفًى قريبًا (فَإِنَّهُ) الفاء لتعليل أمره بالتسبيح، والضمير للشأن، أي لأن الحال والشأن (إِذَا سَبَّحَ) بالبناء للفاعل (الْتُفِتَ إِلَيْهِ) بالبناء للمفعول، وفي رواية النسائيّ: "فإنه لا يسمعه أحدٌ حين يقول: سبحان اللَّه إلا التَفَتَ إليه"، والتفت" هنا مبنيّ للفاعل.
(وَإِنَّمَا التَّصْفِيحُ) بالحاء المهملة، وفي بعض النسخ:"وإنما التصفيق" بالقاف، وتقدّم أن الأرجح كونهما بمعنى واحد (لِلنِّسَاءِ") يعني أنهنّ إذا نابهنّ أمر في الصلاة فالتصفيح هو المشروع لهنّ، كما تدلّ عليه الروايات الأخرى، ففي رواية للنسائيّ: "إذا نابكم أمرٌ، فليُسبّح الرجال، وليُصفِّح النساء".
أو المعنى: أنه من أفعال النساء ولَعِبهنّ، فلا يليق أن يُفْعَل في الصلاة، والأول هو الأرجح.
وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- بعد ذكر معنى التصفيح والتصفيق-: واختُلف في حكمه في الصلاة، فقيل: لا يجوز أن يفعله في الصلاة لا الرجال، ولا النساء، وإنما هو التسبيح للجميع؛ لقوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: من نابه شيء في صلاته فليُسبّح، فإنه إذا سَبَّحَ الْتُفِت إليه"، وهذا مشهور مذهب مالك وأصحابه، وتأوّلوا قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنما التصفيق للنساء" أن ذلك ذمّ للتصفيق، ومعناه: أنه من شأن النساء، لا الرجال، وقيل: هو جائز للنساء دون الرجال؛ تمسُّكًا بظاهر الحديث، ولحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا الآتي:"التسبيح للرجال، والتصفيق للنساء"، وهو مذهب الشافعيّ، والأوزاعيّ، وحُكي عن مالك أيضًا، وعَلَّلوا