للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القاضي عياضٌ رحمه الله: قوله: "اتّقوا اللعّانين" وفي غير مسلم: "اتّقوا الملاعن"، فذكر هاتين، وزاد: "موارد الماء"، وسُمّيت ملاعن؛ لجلبها اللعن؛ لأنها أماكن راحة الناس، فإذا وجدوا ذلك فيها، قالوا: لعن الله من فعله، وقد يكون اللاعنان بمعنى الملعونين؛ لأن الحالتين ملعونتان، أي فاعلهما، كـ {عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [الحاقة: ٢١]: أي مرضيّة.

قال الأبّيّ رحمه الله: والمعنى على الأول: اتّقوا صاحبتي اللعن، أي اللتين يقع اللعن عند وجودهما، واتّقاؤهما من نوع ما تقدّم من النهي عن استقبال القبلة، واستدبارها، والاستنجاء باليمين، لكون ذلك من آداب الأحداث. انتهى (١).

وقال الطيبيّ رحمه الله في تفسير قوله: "اتّقوا الملاعن الثلاث" هي مَلْعَنة، وهي الفعلة التي تَلْعَن فاعلها، كأنها مظنّة اللعن، ومَعْلَمةٌ له، كما يقال: "الولدُ مَبْخَلةٌ مَجْبَنةٌ" (٢)، وأرضٌ مأسدة. انتهى.

(قَالُوا) أي الصحابة الحاضرون مجلسه - صلى الله عليه وسلم - حينما تكلّم بهذا الحديث (وَمَا اللَّعَّانَانِ) أي الأمران الجالبان للعن (يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى) قال الطيبيّ رحمه الله: هو على حذف مضاف، أي تخلّي الذي يتخلَّى، أو عبّر عن الفعل بفاعله. انتهى. (يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ) أي يتغوّط في موضع يَمُرّ به الناس (أَوْ فِي ظِلِّهِمْ) قال الخطابيّ وغيره من العلماء: المراد بالظلّ هنا مُسْتَظَلُّ الناس الذي اتخذوه مَقِيلًا ومُنَاخًا ينزلونه، ويقعدون فيه، وليس كلُّ ظلّ يحرم القعود تحته، فقد قَعَد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - تحت حائش النخل لحاجته، وله ظلّ بلا شكّ. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "فقد قَعَد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - إلخ" أشار به إلى ما أخرجه المصنّف رحمه الله من حديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنهما -، قال: "وكان أحبَّ ما استتر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحاجته هَدَفٌ، أو حائشُ نخل"، يعني حائط نخل (٣)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) "شرح الأبيّ" ٢/ ٤٥.
(٢) حديث صحيح، أخرجه ابن ماجه برقم (٣٦٥٦).
(٣) سيأتي للمصنّف في "كتاب الحيض" برقم (٣٤٢).