للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

أبي بردة مع أن كلًّا منهما عطس عنده، (فَلَمَّا جَاءَهَا) أبو موسى - رضي الله عنه - (قَالَتْ: عَطَسَ عِنْدَكَ ابْنِي) أبو بردة (فَلَمْ تُشَمِّتْهُ، وَعَطَسَتْ) زوجتك بنت الفضل (فَشَمَّتَّهَا) غرضها الإنكار على أبي موسى فيما فعل، ومنشؤه الغيرة التي تحصل بين الضرائر، (فَقَالَ) أبو موسى - رضي الله عنه - مبيّنًا عذره في ذلك: (إِنَّ ابْنَكِ) أبا بردة (عَطَسَ، فَلَمْ يَحْمَدِ اللهَ) عز وجل (فَلَم أُشَمِّتْهُ) لعدم استحقاقه التشميت حيث لم يحمد، (وَعَطَسَتْ) بنت الفضل (فحَمِدَتِ اللهَ) عز وجل (فَشَمَّتُّهَا) لاستحقاقها حيث أدّت السبب، وهو الحمد، ثم بيّن أبو موسى - رضي الله عنه - حجته في ذلك، فقال: (سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: "إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ، فَحَمِدَ اللهَ) تعالى (فَشَمِّتُوهُ) تقدّم أن الراجح أنه للوجوب، قال أبو عمر بن عبد البرّ رَحِمَهُ اللهُ: شمّت، وسمّت لغتان، معروفتان عند أهل العلم، لا يختلفون في ذلك، قال الخليل بن أحمد: التسميت لغة في تمثمميت العاطمس، ورُوي عن ثعلب أنه سئل عن معنى التشميت والتسميت، فقال: أما التشميت فمعناه: أبعد الله عنك الشماتة، وجنّبك ما يَشْمَت به عدوّك، وأما التسميت فمعناه: جعلك الله على سمت حسن، ونحو هذا، قال أبو عمر: وهذا كله إنما ينويه الداعي له بصلاح الحال، والغفران، والرحمة، على ما جاء في سُنّة التشميت. انتهى (١).

(فَإِنْ لَمْ يَحْمَدِ اللهَ، فَلَا تُشَمِّتُوهُ) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: هذا تصريح بالأمر بالتشميت إذا حمد العاطس، وتصريح بالنهي عن تشميته إذا لم يحمده، فيُكره تشميته إذا لم يحمد، فلو حمد، ولم يسمعه الإنسان لم يشمّته، وقال مالك: لا يشمته حتى يسمع حمده، قال: فإن رأيت من يليه شمّته فشمّته، قال القاضي: قال بعض شيوخنا: وإنما أُمر العاطس بالحمد لِمَا حصل له من المنفعة بخروج ما اختنق في دماغه من الأبخرة. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قال النوويّ: مقتضى هذا الحديث أن من لم يحمد الله لم يشمت، قال الحافظ: هو منطوقه، لكن هل النهي فيه للتحريم، أو للتنزيه؟ الجمهور على الثاني، قال: وأقل الحمد والتشميت أن يسمع صاحبه، ويؤخذ منه أنه إذا أَتَى بلفظ آخر غير الحمد، لا يشمَّت، وقد أخرج أبو داود،


(١) "التمهيد" لابن عبد البر ١٧/ ٣٣٤.
(٢) "شرح النوويّ" ١٨/ ١٢١.