(أَنَّهُ)؛ أي: الدجّال، (أَعْوَرُ) وفي رواية: "أعور العين اليمنى"، (وَأَنَّ اللَّهَ) بفتح الهمزة؛ لكونه معطوفًا على "أنه"، (تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ") إنما اقتصر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- على هذه الصفة مع أن أدلة الحدوث في الدجال ظاهرة؛ لكون العَوَر أثرًا محسوسًا، يُدركه العالم والعاميّ، ومن لا يهتدي إلى الأدلة العقلية، فإذا ادعى الربوبية، وهو ناقص الخلقة، والإله يتعالى عن النقص، عَلِم أنه كاذب.
(قَالَ ابْنُ شِهَابٍ) الزهريّ، وهو موصول أيضًا بالسند السابق، وليس معلّقًا، (وَأَخْبَرَنِي عُمًرُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ) الخزرجيّ المدنيّ، ثقةٌ [٣] أخطأ من عدّه في الصحابة (م ٤) تقدّم في "الصيام" ٤١/ ٢٧٥٨. (أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) فيه أن جهالة الصحابة -رضي اللَّه عنهم- لا تضرّ بصحّة الحديث؛ إذ كلّهم عدول، كما سبق غير مرّة. (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَالَ يَوْمَ حَذَّرَ النَّاسَ الدَّجَّالَ: "إِنَّهُ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ) زاد في الرواية الآتية: "ثم تهجاها، فقال: ك ف ر"، (يَقْرَؤُهُ مَنْ كَرِهَ عَمَلَهُ)؛ أي: من أنكر عمل الدجّال، وردّ عليه باطله، (أَوْ) للشك من الراوي؛ أي: أو قال: (يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ") وفي الرواية الآتية: "يقرأه كل مسلم"، وفي رواية: "يقرأه كل مؤمن، كاتبٍ، وغير كاتب"، وهذا إخبار بالحقيقة؛ لأن الإدراك في البصر يخلقه اللَّه تعالى للعبد كيف شاء، ومتى شاء، فهذا يراه المؤمن ببصره، ولو كان لا يعرف الكتابة، ولا يراه الكافر، ولو كان يعرف الكتابة، إن هذا من أعاجيب صنع اللَّه -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-؛ إظهارًا لدحض حجج هذا الطاغية، فلا يضلّ به إلا من كتب اللَّه عليه الشقاء المؤبد.
وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: الصحيح الذي عليه المحققون أن هذه الكتابة على ظاهرها، وأنها كتابة حقيقة، جعلها اللَّه آيةً، وعلامة من جملة العلامات القاطعة بكفره، وكذبه، وإبطاله، ويظهرها اللَّه تعالى لكل مسلم، كاتب، وغير كاتب، ويُخفيها عمن أراد شقاوته، وفتنته، ولا امتناع في ذلك، وذكر القاضي فيه خلافًا.