للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مال فلان لا يفنيه الماء، أو النار. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء"؛ أي: يسّرت تلاوته، وحفظه، فخَفّ على الألسنة، ووَعَتْه القلوب، فلو غُسلت المصاحف لَمَا انغسل من الصدور، ولَمَا ذهب من الوجود، ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩)} [الحجر: ٩]، وقوله: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)} [القمر: ١٧]، وفي الإسرائيليات: أن موسى -عليه السلام- قال: يا رب إني أجد أمة تكون أناجيلها في صدورها، فاجعلهم أمتي،، قال: تلك أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- (٢).

(تَقْرَؤُهُ)؛ أي: أنت، حال كونك (نَائِمًا، وَيَقْظَانَ) بسكون القاف، والمعنى: يصير لك مَلَكة، بحيث يحضر في ذهنك، وتلتفت إليه نفسك في أغلب الأحوال، فلا تغفل عنه نائمًا ويقظان، وقد يقال للقادر على الشيء الماهر به: هو يفعله نائمًا.

قال القاري: كذا ذكره الطيبيّ -رحمه الله- وخلاصته: أنه في قلبك، وأنت نائم، وأقول: لا احتياج إلى التأويل بالنسبة إلى قلبه -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه تنام عيناه، ولا ينام قلبه، وقد شوهد كثير من الناس صغيرًا وكبيرًا أنهم يقرؤون، وهم نائمون. انتهى (٣).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "تقرؤه نائمًا ويقظان" يَحْتَمِل أن يريد بذلك أنه يوحى إليه القرآن في اليقظة والمنام، وقد تقدَّم أن رؤيا الأنبياء وحي. ويَحْتَمِل أن يكون معنى نائم هنا: مضطجعًا؛ يعني: في صلاة المريض، قالهما القاضي، وفيهما بُعْدٌ، وأشبه منهما -إن شاء الله تعالى- أن الله يسّره على لسان نبيّه -صلى الله عليه وسلم-، وذكره، بحيث كان يقرؤه نائمًا، كما كان يقرؤه منتبهًا، لا يُخِلّ منه بحرف، لا سيما وقد كان -صلى الله عليه وسلم- تنام عيناه ولا ينام قلبه. وقد شاهدنا المديمين على تكرار القران يقرؤون منه الكثير وهم نيام، وذلك قبل استحكام غلبة النوم عليهم. انتهى (٤).


(١) "الكاشف عن حقائق السنن" ١١/ ٣٣٩٦.
(٢) "المفهم" ٧/ ١٦٣.
(٣) "مرقاة المفاتيح" ٩/ ٥٥٥.
(٤) "المفهم" ٧/ ١٦٣.