للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذراعنا؛ لأن ذراع كل أحد مثل رُبعه، ولو كانت بذراعه، لكانت يده قصيرة في جنب طول جسمه؛ كالإصبع، والظفر، وقيل: يَحْتَمِل أن يكون بذراع نفسه، والأول أشهر، وقال القرطبيّ: إن الله تعالى يعيد أهل الجنة إلى خَلْقه أصلهم الذي هو آدم -عليه السلام-، وعلى صفته، وطوله الذي خَلَقه الله عليه في الجنة، وكان طوله فيها ستين ذراعًا في الارتفاع بذارع نفسه، قال: ويَحْتَمِل أن يكون هذا الذراع مقدرًا بأذرعتنا المتعارفة عندنا، وقيل: إنه كان يقارب أعلاه السماء، وأن الملائكة كانت تتأذى بنَفَسه، فخفضه الله إلى ستين ذراعًا، وظاهر الحديث خلافه. انتهى (١).

(فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ، فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ) قال في "الفتح": فيه إشعار بأنهم كانوا على بُعْد، واستُدِلّ به على إيجاب ابتداء السلام، لورود الأمر به، وهو بعيد، بل ضعيف؛ لأنها واقعة حال، لا عموم لها، وقد نَقَل ابنُ عبد البرّ الإجماع على أن الابتداء بالسلام سُنَّة، ولكن في كلام المازريّ ما يقتضي إثبات خلاف في ذلك، قال الحافظ: كذا زعم بعض من أدركناه، وقد راجعت كلام المازريّ، وليس فيه ذلك، فإنه قال: ابتداء السلام سُنَّة، وردّه واجب، هذا هو المشهور، عند أصحابنا، وهو من عبادات الكفاية، فأشار بقوله المشهور إلى الخلاف في وجوب الردّ، هل هو فرض عين، أو كفاية؟ وقد صرَّح بعد ذلك بخلاف أبي يوسف، كما سأذكره بعدُ، نعم وقع في كلام القاضي عبد الوهاب فيما نقله عنه عياض، قال: لا خلاف أن ابتداء السلام سُنَّة، أو فرض على الكفاية، فإن سلّم واحد من الجماعة أجزأ عنهم، قال عياض: معنى قوله: فَرْض على الكفاية مع نقل الإجماع على أنه سُنَّة: أن إقامة السنن وإحياءها فرض على الكفاية. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بوجوب الابتداء بالسلام هو الذي يدلّ عليه ظاهر حديث الباب، وأصرح منه ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "حقُّ المسلم على المسلم ستّ"، قيل: ما هنّ يا رسول الله؟ قال: "إذا لقيته فسلّم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك


(١) "عمدة القاري" ١٥/ ٢٠٨.
(٢) "الفتح" ١٤/ ١٢٩ - ١٣٠.