للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهي قوله: "عرشه" تهكّمًا، وسخريةً، فإنها استُعملت في الجبار الذي لا يُغالَب {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [هود: ٧]، والقصد أن إبليس مسكنه البحر (١). (ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ) جمع سرية: وهي القطعة من الجيش، (فَأَدْنَاهُمْ)؛ أي: أقربهم (مِنْهُ)؛ أي: من إبليس (مَنْزِلَةً)؛ أي: درجةً، ورفعة، فقوله: "أدناهم" مبتدأ خبره قوله: (أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً)؛ أي: أشدّهم في امتحان الناس، وقوله: (يَجِيءُ أَحَدُهُمْ) بيان لمن هو أدنى منه، ولمن هو أبعد منه، (فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا)؛ أي: وَسْوَسْت بنحو قتل، أو سرقة، أو شرب مسكر، (فَيَقُولُ) إبليس: (مَا صَنَعْتَ شَيْئًا)؛ أي: أمرًا كبيرًا، أو شيئًا معتدًّا به، وهذا قاله استخفافًا بما فعله، ولهذا نكّره في سياق النفي. (قَالَ) النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: (ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ)؛ يعني: الرجل، (حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ)؛ يعني: أنه طلّقها، قال القاري: هذا وإن كان بحَسَب الظاهر أمرًا مباحًا، وظاهره خيرٌ، ولذا قال تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: ١٣٠]، ولكنه من حيث إنه قد يجرّ إلى المفاسد يصير مذمومًا، ويحثّ عليه الشياطين، ويفرح به كبيرهم، ولذا قال -صلى الله عليه وسلم-: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" (٢)، وقال تعالى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} [البقرة: ١٠٢]. انتهى (٣).

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم-: (فَيُدْنِيهِ مِنْهُ) بضم حرف المضارعة، من الإدناء؛ أي: يقرّبه منه، قال المناويّ: قوله: "فيدنيه منه"؛ أي: يقرّبه منه، وأوقعه مخبرًا عنه، وحذف الخبر، وهو: صنعت شيئًا؛ لادعاء أنه هو المتعيّن لإسناد الصنع العظيم المدلول بالتنوين عليه أيضًا. انتهى (٤).

(وَيَقُولُ) إبليس مادحًا لهذا، وشاكرًا له: (نِعْمَ أَنْتَ")؛ أي: نِعْم الولد، أو العون أنت، قال النوويّ: هو بكسر النون، وإسكان العين، وهي نِعْم الموضوعة للمدح، فيمدحه لإعجابه بصنعه، وبلوغه الغاية التي أرادها. انتهى (٥).


(١) "فيض القدير" ٢/ ٤٠٨.
(٢) هذا حديث ضعيف.
(٣) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١/ ٣٢٩.
(٤) "فيض القدير" ٢/ ٤٠٨.
(٥) "شرح النوويّ" ١٧/ ١٥٧.