للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

[قلت]: يُجاب بأنه يمكن أن الرجل كان من بني النجّار، فتنصّر قبل الإسلام، فلما جاء الإسلام أسلم، ثم ارتدّ بعد ذلك، واللَّه تعالى أعلم.

(قَدْ قرَأَ) ذلك الرجل سورة (الْبَقَرَةَ، وَ) سورة (آلَ عِمْرَانَ، وَكَانَ) الرجل (يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) الوحي وغيره مما يريد النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كتابته، (فَانْطَلَقَ)؛ أي: ذهب من عند النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، حال كونه (هَارِبًا)؛ أي: فارًّا، وشاردًا من الإسلام وأهله، يقال: هَرَب يَهْرُبُ هَرَبًا، وهُرُوبًا: فَرّ، والموضع الذي يُهْرَب إليه مَهْرَبٌ، مثل جَعْفَرٍ، ويتعدّى بالتثقيل، فيقال: هرّبته (١).

وقوله: (حَتَّى لَحِقَ) غاية لهروبه، و"لَحِقَ" بكسر الحاء، يقال: لَحِقْتُهُ، ولَحِقْتُ به، أَلْحَقُ، من باب تَعِب لَحَاقًا، بالفتح: أدركته، وأَلْحَقْتُهُ بالألف مثله، وأَلْحَقْتُ زيدًا بعمرو: أتبعته إياه، فَلَحِقَ هو، وأَلْحَقَ أيضًا، وفي الدعاء: "إن عذابك بالكفار مُلْحَقٌ" يجوز بالكسر، اسمَ فاعل، بمعنى لَاحِق، ويجوز بالفتح، اسمَ مفعول؛ لأن اللَّه أَلْحَقَهُ بالكفار؛ أي: يُنزله بهم، قاله الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).

(بِأَهْلِ الْكِتَابِ) متعلّق بـ "لحِق"، وفي رواية البخاريّ: "فعاد نصرانيًّا، فكان يقول: ما يدري محمد، إلا ما كتبت له"، وفي رواية الإسماعيليّ: "وكان يقول: ما أرى يُحسن محمد إلا ما كنت أكتب له"، وروى ابن حبان من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة نحوه.

وهذا الذي قاله كذبٌ وزور، وافتراء، واجتراء على اللَّه سبحانه وتعالى، وعلى رسوله -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولذا عاجله اللَّه تعالى بالعقوبة. (قَالَ) أنس (فَرَفَعُوهُ)؛ أي: رفع أهل الكتاب منزلة هذا الرجل، وأعلوا قدره. (قَالُوا: هَذَا قَدْ كَانَ يَكْتُبُ لِمُحَمَّدٍ) -صلى اللَّه عليه وسلم- الوحي، (فَأُعْجِبُوا بِهِ) بالبناء للمفعول؛ أي: استحسنوا أمره، وعظّموا قَدْره، حيث ارتدّ إلى دينهم، قال الفيّوميّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: ويُستعمل التَّعَجُّبُ على وجهين: أحدهما ما يَحمده الفاعل، ومعناه: الاستحسان، والإخبار عن رضاه به، والثاني ما يكرهه، ومعناه: الإنكار، والذمّ له، ففي الاستحسان يقال: أَعْجَبَنِي بالألف، وفي الذمّ والإنكار: عَجِبْتُ وزان تَعِبْتُ. انتهى (٣).


(١) "المصباح المنير" ٢/ ٦٣٧.
(٢) "المصباح المنير" ٢/ ٥٥٠.
(٣) "المصباح المنير" ٢/ ٣٩٣.