للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

وهي في تأويل المصدر نائب الفاعل لـ "نُخْبَرُ"، (فَإِنْ كُنْتَ) أيها المناشد، وهذا الكلام لحذيفة -رضي اللَّه عنه-، (مِنْهُمْ)؛ أي: من أصحاب العقبة، (فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ) أصحاب العقبة (خَمْسَةَ عَشَرَ)؛ أي: بزيادتك علمهم، (وَأَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ)؛ أي: محارب (للَّهِ) -عَزَّ وَجَلَّ- (وَلِرَسُولِهِ) -صلى اللَّه عليه وسلم- (فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) حيث أراداوا الفتك به في تلك الليلة، (وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) حيث ينادى بهم على رؤوس الأشهاد: {هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} [هود: ١٨].

(وَعَذَرَ ثَلَاثَةً)؛ أي: قَبِل النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عُذرهم، ورفع عنهم اللوم، يقال: عذرته فيما صَنَع عَذْرًا، من باب ضَرَبَ: إذا رفعت عنه اللوم (١)، وإنما عَذَرهم لأنهم لم يريدوا شرًّا، وإنما تبعوا القوم جهلًا، فإنهم (قَالُوا) معتذرين: (مَا سَمِعْنَا مُنَادِيَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-) الذي نادى بأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- أخذ طريق العقبة، فلا يأخذها أحد، (وَلَا عَلِمْنَا بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ)؛ أي: المنافقون الذي سلكوا طريق العقبة مخالفين أمره -صلى اللَّه عليه وسلم-، ومريدين الفتك به، وغَرضُهم بذلك الاعتذار بأنهم لم يريدوا شرًّا، وإنما اتّبعوا القوم لعدم عِلمهم بكيدهم.

(وَقَدْ كَانَ) -صلى اللَّه عليه وسلم- في مرجعه من تبوك (فِي حَرَّةٍ)؛ أي: في أرض ذات حجارة سُود، وتُجمع على حِرَار بالكسر، مثل كلبة وكلاب (٢). (فَمَشَى) -صلى اللَّه عليه وسلم- (فَقَالَ) للناس: ("إِنَّ الْمَاءَ) الذي سنأتيه (قَلِيلٌ)؛ أي: لا يكفي لجماعتنا، (فَلَا) ناهية، (يَسْبِقُنِي إِليْهِ أَحَدٌ") أراد أن لا يمسّ ذلك الماء أحد حتى يمسّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بيده المباركة، فيفيض الماء، ويكفي الجيش كلّه. (فَوَجَدَ قَوْمًا) من المنافقين (قَدْ سَبَقُوهُ) إلى ذلك الماء، ومسّوه، واغترفوا منه مخالفة له -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ لشدّة نفاقهم (فَلَعَنَهُمْ)؛ أي: دعا على هؤلاء المنافقين الذي سبقوه إلى الماء (يَوْمَئِذٍ)؛ أي: يوم إذ وقعت تلك الواقعة، واللَّه تعالى أعلم.

[تنبيه]: يستفاد من مجموع الروايات أن هذه القصّة وقعت مرّتين، مرّة في سفر النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى تبوك، وقد مرّت القصّة في هذا الكتاب، في "باب معجزات النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-" من "كتاب الفضائل" من حديث معاذ بن جبل -رضي اللَّه عنه-، قال:


(١) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٣٩٨.
(٢) راجع: "المصباح المنير" ١/ ١٢٩.