قال بعضهم: يسمع بعضه، وقال بعضهم: لئن كان يسمع بعضه، لقد يسمع كلّه"، قال في "الفتح"؛ أي: لأن نسبة جميع المسموعات إليه واحدة، فالتخصيص تَحَكّم، وهذا يُشعر بأن قائل ذلك كان أفطن أصحابه، وأَخْلِق به أن يكون الأخنس بن شَرِيق؛ لأنه أسلم بعد ذلك، وكذا صفوان بن أمية. انتهى (١).
(فَأَنْزَلَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ}[فصلت: ٢٢]) هذا تقريع لهم، وتوبيخ من جهة اللَّه سبحانه وتعالى، أو من كلام الجلود؛ أي: ما كنتم تستخفون عند الأعمال القبيحة حذرًا من شهادة الجوارح عليكم، ولمّا كان الإنسان لا يقدر على أن يستخفي من جوارحه عند مباشرة المعصية كان معنى الاستخفاء هنا: تَرْك المعصية. وقيل: معنى الاستتار: الاتقاء؛ أي: ما كنتم تتقون في الدنيا أن تشهد عليكم جوارحكم في الآخرة، فتتركوا المعاصي خوفًا من هذه الشهادة.
وقوله:({أَنْ يَشْهَدَ}) في محل نصب على العلّة؛ أي: لأجل أن تشهد، أو مخافةَ أن تشهد، وقيل: منصوب بنزع الخافض، وهو الباء، أو عن، أو من، وقيل: إن الاستتار مُضَمَّن معنى الظنّ؛ أي: وما كنتم تظنون أن تشهد، وهو: بعيد. ({عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ} الآيَةَ).
وتمام القراءة:{وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ}[فصلت: ٢٢] من المعاصي، فاجترأتم على فعلها. قيل: كان الكفار يقولون: إن اللَّه لا يعلم ما في أنفسنا، ولكن يعلم ما نُظهر دون ما نُسرّ. قال قتادة: الظنّ هنا بمعنى: العلم، وقيل: أريد بالظنّ معنى مجازّيًا يعمّ معناه الحقيقي، وما هو فوقه من العلم، والإشارة بقوله:{وَذَلِكُمْ}[فصلت: ٢٣] إلى ما ذُكر من ظنهم، وهو مبتدأ وخبره قوله:{ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ}[فصلت: ٢٣]، وقوله:{أَرْدَاكُمْ}[فصلت: ٢٣] خبر آخر للمبتدأ. وقيل: إن "أرداكم" في محل نصب على الحال المقدّرة. وقيل: إن {ظَنُّكُمُ}[فصلت: ٢٣] بدل من {وَذَلِكُمْ}[فصلت: ٢٣]، و {الَّذِي ظَنَنْتُمْ}[فصلت: ٢٣] خبره، و {أَرْدَاكُمْ} خبر آخر، أو حال، وقيل: إن {ظَنُّكُمُ}[فصلت: ٢٣] خبر أوّل، والموصول وَصِلته خبر ثان،