سعيد بن جبير، عند ابن أبي حاتم، وغيره، وفي مرسل مقاتل بن حيان، عند الحاكم في "الإكليل"، بلفظ:"فرماها عبد اللَّه بن أُبَيّ"، وفي حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-، عند الطبرانيّ، بلفظٍ أشنع من ذلك، وورد أيضًا أنه ممن جُلد الحدّ، وقع ذلك في رواية أبي أويس، عن الحسن بن زيد، وعبد اللَّه بن أبي بكر بن حزم، وغيرهما، مرسلًا، أخرجه الحاكم في "الإكليل"، فإن ثبتا سقط السؤال، وإن لم يثبتا فالقول ما قال عياض، فإنه لم يثبت خبر بأنه قذف صريحًا، ثم لم يُحَدّ.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: من تأمّل سياق ما في "الصحيحين" من قصّة عائشة -رضي اللَّه عنها- لا يكاد يرتاب في كون عبد اللَّه بن أُبيّ ممن صرّح بقذفها -رضي اللَّه عنها-، فتأمل القصّة حقّ التأمل يظهر لك صِدق ما قلتُه، فتبصّر بالإنصاف، واللَّه تعالى وليّ التوفيق.
وقد حَكَى الماورديّ إنكار وقوع الحدّ بالذين قذفوا عائشة -رضي اللَّه عنها- أصلًا كما تقدم، واعتل قائله بأن حدّ القذف لا يجب إلا بقيام بينة، أو إقرار، وزاد غيره: أو بطلب المقذوف، قال: ولم ينقل ذلك، قال الحافظ: كذا قال، وفيه نظر.
٨٩ - (ومنها): أنه استَدَلّ به أبو عليّ الكرابيسيّ صاحب الشافعيّ في "كتاب القضاء" على منع الحكم حالة الغضب؛ لِمَا بدا من سعد بن معاذ، وأسيد بن حضير، وسعد بن عبادة من قول بعضهم لبعض حالة الغضب، حتى كادوا يقتتلون، قال: فإن الغضب يُخرج الحليم المتقي إلى ما لا يليق به، فقد أخرج الغضب قومًا من خيار هذه الأمة بحضرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى ما لا يَشُكّ أحد من الصحابة أنها منهم زلة، إلى آخر كلامه في ذلك، قال الحافظ: وهذه مسألة نقل بعض المتأخرين فيها رواية عن أحمد، ولم تثبت.
قال الجامع عفا اللَّه عنه: لا يخفى حُسن استنباط عدم المؤاخذة بما يصدر في حالة الغضب، فإن القصّة واضحة في ذلك، وأما الحكم في حالة الغضب فبعيد عنها، لكن ثبت عن النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه نهى عنه، فقد أخرج أصحاب "السنن" عن أبي بكرة -رضي اللَّه عنه- قال: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لا يقضي الْحَكَم بين اثنين، وهو غضبان"، وهو حديث صحيح.