العبودية عند محمد أحبّ إليّ من أكون عندكم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (اشهَدُوا أني وارث وموروث"، فلم يزل يقال: زيد بن محمد، إلى أن نزل قوله تعالى:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}[الأحزاب: ٥]، ونزل {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ}[الأحزاب: ٤٠]. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): قال الإمام أبو القاسم، عبد الرَّحمن السهيليّ - رَحِمَهُ اللهُ -: كان يقال: زيد بن محمد حتى نزل: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ}، فقال: أنا زيد بن حارثة، وحُرِّم عليه أن يقول: أنا زيد بن محمد، فلما نَزَعَ عنه هذا الشرف، وهذا الفخر، وعَلِمَ الله وحشته من ذلك، شَرَّفه بخِصِّيصة لَمْ يكن يَخُصَّ بها أحدًا من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهي أنه سماه في القرآن، فقال تعالى:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا}[الأحزاب: ٣٧]، يعني من زينب، ومَن ذكره الله تعالى باسمه في الذكر الحكيم، حتى صار اسمه قرآنًا يُتْلَى في المحاريب، نَوَّه به غاية التنويه، فكان في هذا تأنيس له، وعِوَضٌ من الفخر بأبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - له، ألا ترى إلى قول أُبَيّ بن كعب - رضي الله عنه - حين قال له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}[البينة: ١]"، قال: وسمّاني؟ قال: "نعم"، فبكى، متّفق عليه، وكان بكاؤه من الفرح، حين أُخبر أن الله تعالى ذكره؟، فكيف بمن صار اسمه قرآنًا يُتلى مُخَلَّدًا لا يَبِيد، يتلوه أهل الدنيا إذا قرؤوا القرآن، وأهل الجَنَّة كذلك أبدًا، لا يزال على السنة المؤمنين، كما لَمْ يزل مذكورًا على الخصوص عند رب العالمين؛ إذ القرآن كلام الله القديم، وهو باقٍ، لا يبيد؟، فاسم زيد هذا في المصحف المكرمة المرفوعة المطهرة، تذكرهُ في التلاوة السفرة الكرام البررة، وليس ذلك لاسم من أسماء المؤمنين، إلَّا لنبي من الأنبياء، ولزيد بن حارثة؛ تعويضًا من الله تعالى له مما نَزَع عنه.
وزاد في الآية أن قال:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ}[الأحزاب: ٣٧] أي بالإيمان، فدَلّ على أنه من أهل الجَنَّة، عَلِمَ ذلك قبل أن يموت، وهذه فضيلة أخرى. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.