قال الإمام ابن كثير - رَحِمَهُ اللهُ -: يقول تعالى مخبرًا عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لمولاه زيد بن حارثة - رضي الله عنه -، وهو الذي أنعم الله عليه: أي بالإسلام، ومتابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأنعمت عليه: أي بالعتق من الرقّ وكان سيدًا، كبير الشأن، جليل القدر، حبيبًا إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، يقال له: الْحِبّ، ويقال لابنه أسامة: الْحِبّ ابن الْحِبّ.
قالت عائشة - رضي الله عنهما -: ما بعثه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سرية إلَّا أَمَّره عليهم، ولو عاش بعده لاستخلفه، رواه الإمام أحمد، عن سعيد بن محمد الوراق، ومحمد بن عبيد، عن وائل بن داود، عن عبد الله الْبَهِيّ، عنها (١).
وقال البزاز في "مسنده" بسند صحيح، عن عُمَر بن أبي سلمة، عن أبيه، قال: حدثني أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: كنت في المسجد، فأتاني العباس، وعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنهما - فقالا: يا أسامة، استأذن لنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخبرته، فقلت: علي والعباس يستأذنان، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أتدري ما حاجتهما؟ " قلت: لا يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: "لكني أدري"، قال: فأذن لهما، قالا: يا رسول الله جئناك لتخبرنا: أيُّ أهلك أحبُّ إليك؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "أحب أهلي إليّ فاطمة بنت محمد"، قالا: يا رسول الله ما نسألك عن فاطمة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "فأسامة بن زيد بن حارثة الذي أنعم الله عليه، وأنعمت عليه".
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد زوّجه بابنة عمته، زينب بنت جحش الأسدية - رضي الله عنهما -، وأمها أمية بنت عبد المطلب، وأصدقها عشرة دنانير، وستين درهمًا، وحمارًا، وملحفةً، ودِرعًا، وخمسين مدًّا من طعام، وعشرة أمداد من تمر، قاله مقاتل بن حيان، فمكثت عنده قريبًا من سنة، أو فوقها، ثم وقع بينهما، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول له:{أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ} وقال الله تعالى: {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ}.
(١) أخرجه أحمد في "مسنده" برقم (٢٢٦ و ٢٥٤ و ٦٢٨١).