للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

إيمانه، وشَرْح قلبه، وهو من أعظم الدرجات، وأرفع منازل الطاعات، ومن أعمال القلوب التي الأجر عليها أعظم من أجر أعمال الجوارح، وإثابة الله على ذلك أن رُفع إلى منزلة من أحبه فيه، وإن لم يكن له أعمال مثل أعماله، وهو فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم. انتهى (١).

وقال القاري رحمهُ اللهُ: ومن علامة المحبة الصادقة أن يختار أمر المحبوب، ونهيه على مراد غيره، ولذا قالت رابعة العدويّة [من البسيط]:

تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تُظْهِرُ حُبَّهُ … هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ بَدِيعُ

لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ … إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ (٢)

٣ - (ومنها): أنه لا يشترط في الانتفاع بمحبة الصالحين أن يَعمَل عملهم؛ إذ لو عَمِله لكان منهم، ومِثْلهم، وقد صَرَّح في الحديث الذي بعد هذا بذلك، فقال: "أَحَبَّ قومًا، ولمّا يلحق بهم"، قال أهل العربية: "لَمّا" نفي للماضي المستمرّ، فيدل على نفيه في الماضي، وفي الحال، بخلاف "لم"، فإنها تدلّ على الماضي فقط، ثم إنه لا يلزم من كونه معهم أن تكون منزلته، وجزاؤه مثلهم من كل وجه، قاله النوويّ رحمهُ اللهُ (٣).

٤ - (ومنها): ما قاله ابن بطّال رحمهُ اللهُ: دلّ الحديث على أن من أحب عبدًا في الله، فإن الله جامِع بينه وبينه في جنّته، ومُدخِله مَدخَله، وإن قصّر عن عمله، وهذا معنى قوله: "ولم يلحق بهم"؛ يعني في العمل، والمنزلة، وبيان هذا المعنى -والله أعلم- أنه لمّا كان المحبّ للصالحين إنما أحبهم من أجل طاعتهم لله، وكانت المحبة عملًا من أعمال القلوب، واعتقادًا لها أثاب الله معتقد ذلك ثواب الصالحين؛ إذ النية هي الأصل، والعمل تابع لها، والله يُؤتي فضله من يشاء. انتهى (٤)، والله تعالى أعلم.


(١) "إكمال المعلم" ٧/ ١١٩.
(٢) "مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح" ١٤/ ٣٠٤.
(٣) "شرح النوويّ" ١٦/ ١٨٦.
(٤) "شرح ابن بطال على صحيح البخاريّ" ١٧/ ٤١٦.