في الإدراك المنفي ما هو؟ فقيل: معرفة الحقيقة، فإن هذا لا يعلمه إلَّا هو، وإن رآه المؤمنون، كما أن مَنْ رَأَى القمر، فإنه لا يُدرك حقيقته، وكُنْهه، وماهيّته، فالعظيم أولى بذلك، وله المثل الأعلى.
[وقال آخرون]: المراد بالإدراك الإحاطة، قالوا: ولا يلزم من عدم الإحاطة عدم الرؤية، كما لا يلزم من عدم إحاطة العلم عدم العلم، قال تعالى:{وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه: ١١٠]، وفي "صحيح مسلم": "لا أُحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، ولا يلزم منه عدم الثناء، فكذلك هذا.
قال الْعَوْفِيّ، عن ابن عباس في قوله تعالى:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} قال: لا يحيط بصر أحد بالْمَلِك (١).
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا عمرو بن حماد بن طلحة الْقَنّاد، حدثنا أسباط، عن سماك، عن عكرمة، أنه قيل له:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} قال: ألست ترى السماء؟ قال: بلي، قال: فكلَّها تَرَى؟، وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في الآية:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} وهو أعظم من أن تدركه الأبصار.
وقال ابن جرير: حدثنا سَعْد بن عبد الله بن عبد الحكم، حدثنا خالد بن عبد الرَّحمن، حدثنا أبو عرفجة، عن عطية العوفي، في قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)} قال: هم ينظرون إلى الله، لا تحيط أبصارهم به من عظمته، وبصره محيط بهم، فذلك قوله:{لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}.
[وقال آخرون] في الآية بما رواه الترمذي في "جامعه"(٣٢٧٩) وابن أبي عاصم في "كتاب السنة"(٤٣٧)، وابن أبي حاتم في "تفسيره"، وابن مردويه أيضًا، والحاكم في "مستدركه"(٢٣٠٦) من حديث الحكم بن أبان، قال: سمعت عكرمة يقول: سمعت ابن عباس يقول: رأى محمد ربه تبارك وتعالى، فقلت: أليس الله يقول: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ} الآية؟ فقال لي: لا أُمَّ لك، ذلك نوره الذي هو نوره، إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وفي
(١) أخرجه ابن جرير في "تفسيره" (١٢/ ١٣٦٩٤)، وعطيّة العوفيّ ضعيف.