وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته:"ومن يعص الله ورسوله، فقد غَوَى، ولا يضرّ إلا نفسه، ولا يضرّ الله شيئًا"، وقال الله - عز وجل -: {وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا}[النساء: ١٣١]، وقال حاكيًا عن موسى: {وَقَالَ مُوسَى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨)} [إبراهيم: ٨]، وقال:{وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}[آل عمران: ٩٧]، وقال:{لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ}[الحج: ٣٧]؛ والمعنى: أنه تعالى يحبّ من عباده أن يتقوه، ويطيعوه، كما أنه يكره منهم أن يعصوه، ولهذا يفرح بتوبة التائبين أشدّ من فَرَح مَن ضلّت راحلته التي عليها طعامه وشرابه بفلاة من الأرض، وطَلَبها حتى أعيى، وأَيِس منها، واستسلم للموت، وأيس من الحياة، ثم غلبته عينه، فنام، واستيقظَ، وهي قائمة عنده، وهذا أعلى ما يتصوره المخلوق من الفرح، هذا كله مع غناه عن طاعات عباده، وتوباتهم إليه، وإنه إنما يعود نَفْعها إليهم دونه، ولكن هذا من كمال جوده، وإحسانه إلى عباده، ومحبته لنفعهم، ودَفْع الضرّ عنهم، فهو يحب من عباده أن يعرفوه، ويحبوه، ويخافوه، ويتقوه، ويطيعوه، ويتقربوا إليه، ويحب أن يعلموا أنه لا يغفر الذنوب غيره، وأنه قادر على مغفرة ذنوب عباده، كما في رواية عبد الرحمن بن غنم، عن أبي ذرّ لهذا الحديث:"من عَلِم منكم أني ذو قدرة على المغفرة، ثم استغفرني غفرت له، ولا أبالي".
وفي "الصحيح" عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن عبدًا أذنب ذنبًا، فقال:"يا رب إني فعلت ذنبًا، فاغفر لي، فقال الله: عَلِم عبدي أن له ربًّا يغفر الذنوب، ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي"، وفي حديث عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أنه لمّا ركب دابته، حمد الله ثلاثًا، وكبّر ثلاثًا، وقال:"سبحانك إني ظلمت نفسي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، وقال: إن ربك لَيَعْجب من عبده، إذا قال: رب اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري"، خرّجه الإمام أحمد، والترمذيّ، وصححه، وفي "الصحيح"، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال:"واللهِ لَلَّهُ أرحم بعباده من الوالدة بولدها"، كان بعض أصحاب ذي النون يطوف ينادي: آه أين قلبي؟ من وجد قلبي؟ فدخل يومًا بعض السكك، فوجد صبيًّا يبكي، وأمه تضربه، ثم أخرجته من الدار، وأغلقت الباب