للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

بلغ قميصه ثديه، وتأويله عليه السلام ذلك بالدِّين يدل على أن الإيمان الواقع على العمل يسمى دِينًا؛ كالإيمان الواقع على القول، وقال القاضي: أخذ ذلك أهل التعبير من قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)} [المدثر: ٤] يريد به: نفسك، وإصلاح عملك ودينك، على تاويل بعضهم؛ لأن العرب تعبِّر عن العفّة بنقاء الثوب، والمئزر، وجرّه عبارة عما فَضَل عنه، وانتفع الناس به، بخلاف جرّه في الدنيا للخيلاء، فإنه مذموم، ذكره في "العمدة" (١).

وقال في "الفتح": قيل: وجه تعبير القميص بالدِّين، أن القميص يستر العورة في الدنيا، والدين يسترها في الآخرة، ويحجبها عن كل مكروه، والأصل فيه قوله تعالى: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} الآية [الأعراف: ٢٦]، والعرب تَكْنِي عن الفضل، والعفاف بالقميص، كما قال شاعرهم [من الطويل]:

ثِيَابُ بَنِي عَوْفٍ طَهَارَى نَقِيَّةٌ … وَأَوْجُهُهُم بِيض الْمَسَافِرِ غُرَّانُ

ومنه قوله -صلى الله عليه وسلم-، لعثمان -رضي الله عنه-: "إن الله سيُلبِسك قميصًا، فإن أرادوا أن تخلعه، فلا تخلعه"، أخرجه أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وصححه ابن حبان، فعبّر عن الخلافة بالقميص، وهي استعارة حسنة معروفة. واتفق أهل التعبير على أن القميص يُعَبَّر بالدِّين، وأن طوله يدل على بقاء آثار صاحبه من بعده.

وقال ابن العربي رحمه الله: إنما أوَّله النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالدِّين؛ لأن الدين يستر عورة الجهل، كما يستر الثوب عورة البدن، قال: وأما غير عمر، فالذي كان يبلغ الثُّدِيّ هو الذي يستر قلبه عن الكفر، وإن كان يتعاطى المعاصي، والذي كان يبلغ أسفل من ذلك، وفَرْجه بادٍ، هو الذي لم يستر رجليه عن المشي إلى المعصية، والذي يستر رجليه هو الذي احتجب بالتقوى من جميع الوجوه، والذي يجر قميصه، هو الذي يكون زائدًا على ذلك بالعمل الخالص. انتهى (٢).

وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وإنما فسّر القمُص في المنام بالدِّين؛ لأن


(١) "عمدة القاري" ١/ ١٧٣.
(٢) "الْفَتْح" ١٤/ ٤٢٧، "كتاب التعبير"، بزيادة من "المفهم" ٦/ ٢٥٣ - ٢٥٤.