للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

المراد أنها أولية مطلقة، فيُحمل قول من قال: أول ما نزل {اقْرَأْ} على أنه أراد أولية مطلقة، ومن قال: إنها المدثر أراد بقيد التصريح بالإرسال.

قال الكرمانيّ: استَخْرَج جابر أول ما نزل {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} [المدثر: ١] باجتهاد، وليس هو من روايته، والصحيح ما وقع في حديث عائشة - رضي الله عنها -.

وقيل: يحتمل أن تكون الأولية في نزول {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} بقيد السبب، أي: هي أول ما نزل من القرآن بسببٍ مُتَقَدِّمٍ، وهو ما وقع من التدثر الناشئ عن الرُّعْب، وأما {اقْرَأْ} فنزلت ابتداءً بغير سبب متقدم، ولا يخفى بُعْدُ هذا الاحتمال، ذكره في "الفتح" (١).

وقال النوويّ رحمه الله: القول بأن أول ما أُنزل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} ضعيف، بل باطل، والصواب أن أول ما أنزل على الإطلاق {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١)} [العلق: ١] كما صُرِّح به في حديث عائشة - رضي الله عنها -، وأما {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} فكان نزولها بعد فترة الوحي، كما صُرِّح به في رواية الزهريّ، عن أبي سلمة، عن جابر - رضي الله عنه -. والدلالة صريحة فيه في مواضع، منها: قوله: "وهو يحدِّث عن فترة الوحي" … إلى أن قال: "فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} "، ومنها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء"، ثم قال: "فأنزل الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١)} "، ومنها: قوله: "ثم تتابع الوحي"، يعني: بعد فترته، فالصواب أن أوّلَ ما نَزَل {اقْرَأْ}، وأن أول ما نَزَل بعد فترة الوحي {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) وأما قول من قال من المفسرين: إنّ أول ما نزل الفاتحة، فبطلانه أظهر من أن يُذْكَر. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

وفي أول سورة نزلت قول آخرُ نُقِل عن عطاء الخراسانيّ قال: "المزمل" نزلت قبل "المدثر"، وعطاءٌ ضعيف، وروايته مُعْضَلَةٌ؛ لأنه لم يثبت لقاؤه لصحابي معين، وظاهر الأحاديث الصحيحة تدلّ على تأخُّر المزمل؛ لأن فيها ذكر قيام الليل وغير ذلك مما تراخى عن ابتداء نزول الوحي، بخلاف المدثر، فإن فيها {قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)} [المدثر: ٢].


(١) "الفتح" ٨/ ٥٤٦.
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ٢٠٧ - ٢٠٨.