للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن أبي جمرة رحمه الله (١): معنى كون رؤيا المؤمن في آخر الزمان لا تكاد تكذب، أنَّها تقع غالبًا على الوجه الذي لا يَحتاج إلى تعبير، فلا يدخلها الكذب، بخلاف ما قبل ذلك، فإنها قد يخفى تأويلها، فيعبّرها العابر، فلا تقع كما قال، فيصدق دخول الكذب فيها بهذا الاعتبار.

قال: والحكمة في اختصاص ذلك بآخر الزمان، أن المؤمن في ذلك الوقت يكون غريبًا، كما في الحديث: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا"، أخرجه مسلم، فيقِلّ أنيس المؤمن، ومُعِيْنه في ذلك الوقت، فيُكْرَم بالرؤيا الصادقة، قال: ويمكن أن يؤخذ من هذا سبب اختلاف الأحاديث في عدد أجزاء النبوة بالنسبة لرؤيا المؤمن، فيقال: كلما قَرُب الأمر، وكانت الرؤيا أصدق حُمل على أقلّ عدد وَرَدَ، وعكسه، وما بين ذلك.

قال الحافظ: وتنبغي الإشارة إلى هذه المناسبة فيما تقدم من المناسبات.

وحاصل ما اجتمع من كلامهم في معنى قوله: "إذا اقترب الزمان لَمْ تكد رؤيا المؤمن تكذب" إذا كان المراد آخر الزمان ثلاثة أقوال:

أحدها: أن العلم بأمور الديانة لَمّا يَذهبُ غالبه بذهاب غالب أهله، وتعذرت النبوة في هذه الأمة عُوِّضُوا بالرؤيا الصادقة؛ ليجدَّد لهم ما قد دَرَسَ من العلم.

والثاني: أن المؤمنين لَمّا يقلّ عددهم، ويغلب الكفر، والجهل، والفسق على الموجودين، يُؤْنَس المؤمن، ويعان بالرؤيا الصادقة؛ إكرامًا له، وتسليةً، وعلى هذين القولين لا يختصّ ذلك بزمان معيَّن، بل كلما قَرُب فراغ الدنيا، وأَخَذ أمر الدين في الاضمحلال تكون رؤيا المؤمن الصادق أصدق.

والثالث: أن ذلك خاصّ بزمان عيسى ابن مريم، وأولها أَولاها، والله أعلم.

(وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا)؛ يعني: أن من كان أكثر صدقًا في حديثه كان أكثر صدقًا في رؤياه، قال النوويّ: ظاهره أنه على إطلاقه، وحَكَى القاضي عن بعض العلماء أن هذا يكون في آخر الزمان عند انقطاع العلم،


(١) "بهجة النفوس" ٤/ ٢٤٧.