للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقوله: (إِذَا قَامَ لَهُ رَجُلٌ عَنْ مَجْلِسِه، لَمْ يَجْلِسْ فِيهِ) وفي رواية البخاريّ: "وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَكْرَه أن يقوم الرجل من مجلسه، ثم يجلس مكانه"، قال في "الفتح": قوله: "يجلس" في روايتنا بفتح أوله، وضبطه أبو جعفر الغُرْناطيّ في نسخته بضم أوله، على وزن يقام، وقد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعًا، أخرجه أبو داود من طريق أبي الْخَصِيب - بفتح المعجمة، وكسر المهملة، آخره موحّدة، بوزن عَظِيم - واسمه زياد بن عبد الرحمن، عن ابن عمر: "جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام له رجل من مجلسه، فذهب ليجلس، فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (١)، وله أيضًا من طريق سعيد بن أبي الحسن: "جاءنا أبو بكرة، فقام له رجل من مجلسه، فأبى أن يجلس فيه، وقال: إن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نَهَى عن ذا" (٢)، وأخرجه الحاكم، وصححه من هذا الوجه، لكن لفظه مثل لفظ ابن عمر الذي في "الصحيح"، فكأن أبا بكرة حَمَل النهي على المعنى الأعم.

وقد قال البزار: إنه لا يُعرف له طريق إلا هذه، وفي سنده أبو عبد الله مولى أبي بردة بن أبي موسى، وقيل: مولى قريش، وهو بصريّ لا يُعْرَف. انتهى.

وقال الشوكانيّ رحمه الله: ظاهر حديث جابر، وحديث ابن عمر - رضي الله عنهم - أنه يجوز للرجل أن يَقْعُد في مكان غيره إذا أقعده برضاه، ولعل امتناع ابن عمر - رضي الله عنهما - عن الجلوس في مجلس من قام له برضاه كان تورّعًا منه؛ لأنه ربما استحيا منه إنسان، فقام له بدون طيبة من نفسه، ولكن الظاهر أن مَن فعل ذلك قد أسقط حقّ نفسه، وتجويز عدم طيبة نفسه بذلك خلاف الظاهر، ويكره الإيثار بمحل الفضيلة؛ كالقيام من الصفّ الأول إلى الثاني؛ لأن الإيثار، وسلوك طرائق الآداب لا يليق أن يكون في العبادات، والفضائل، بل المعهود أنه في حظوظ النفس، وأمور الدنيا، فمن آثر بحظه في أمر من أمور الآخرة، فهو من الزاهدين في الثواب. انتهى (٣).


(١) في سنده أبو الخصيب لم يرو عنه إلا عَقيل بن طلحة، ففي تحسين الشيخ الألبانيّ له نظر، والله تعالى أعلم.
(٢) ضعيف، في سنده مجهول، كما قال البزّار.
(٣) "نيل الأوطار" ٣/ ٣٠٧.