٣ - (ومنها): أن استعمال أفعل التفضيل في قوله: "أروى. . . إلخ" يدلّ على أن للمرتين في ذلك مدخلًا في الفضل المذكور.
٤ - (ومنها): أنه يؤخذ منه أيضًا أن النهي عن الشرب في نفس واحد للتنزيه، قال المهلَّب: النهي عن التنفس في الشرب كالنهي عن النفخ في الطعام والشراب، من أجل أنه قد يقع فيه شيء من الريق، فيعافه الشارب، ويتقذّره؛ إذ كان التقذر في مثل ذلك عادة غالبة على طباع أكثر الناس، ومحل هذا إذا أكل وشرب مع غيره، وأما لو أكل وحده، أو مع أهله، أو من يعلم أنه لا يتقذر شيئًا مما يتناوله فلا بأس.
وقال الحافظ: والأولى تعميم المنع؛ لأنه لا يؤمَن مع ذلك أن تَفْضل فضلة، أو يحصل التقذر من الإناء، أو نحو ذلك.
وقال ابن العربيّ: قال علماؤنا: هو من مكارم الأخلاق، ولكن يحرم على الرجل أن يناول أخاه ما يتقذره، فإن فَعَله في خاصّة نفسه، ثم جاء غيره فناوله إياه فليُعْلِمه، فإن لم يُعْلِمه فهو غَشّ، والغش حرام.
وقال القرطبيّ: قد حَمَل بعضهم هذا الحديث على ظاهره، وهو أن يتنفس في الإناء ثلاثًا، وقال: فَعَلَ ذلك ليبيِّن به جواز ذلك، ومنهم من عَلّل جواز ذلك في حقه - صلى الله عليه وسلم - بأنه لم يكن يُتَقَذَّرُ منه شيء، بل الذي يُتَقَذَّرُ من غيره يُستطاب منه، فإنَّهم كانوا إذا بزق، أو تنخع تدلكوا بذلك، وإذا توضأ اقتتلوا على فَضْل وضوئه، إلى غير ذلك مما في هذا المعنى.
قال: وحملُ هذا الحديث على هذا ليس بصحيح؛ بدليل بقية الحديث، فإنَّه قال:"إنه أروى، وأبرأ، وأمرأ"، وهذه الثلاثة الأمور إنما تحصل بأن يشرب في ثلاثة أنفاس خارج القدح، فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشَّرَق، ويحصل تقذير الماء، وقد لا يَرْوَى إذا سقط من بزاقه شيء، أو خالطه من رائحة نفَسه إن كانت هنالك رائحة كريهة. وعلى هذا المعنى حَمَلَ الحديث الجمهور، وهو الصواب إن شاء الله تعالى نظرًا إلى المعنى، ولبقية الحديث، ولقوله للرجل:"أَبِنِ القدح عن فيك"، ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق، ومن باب النظافة، وما كان - صلى الله عليه وسلم - يأمر بشيء من مكارم الأخلاق، ثم