المذهب الكوفيّ، فإنه طلب الاستعجال، وأن يُريه دم ما ذَبَح.
وأما ما وقع في كتاب مسلم من تسكين الراء، فهو تخفيف للراء المكسورة، وهي لغة معروفةٌ، قرأ بها ابن كثير.
وأما ما وقع في كتاب أبي داود، فقيل: بمعنى أَدِم الْحَزَّ، ولا تَفْتُر، من رَنَوتُ؛ أي: أدمتُ النظر. قال القرطبيّ: ويلزم على هذا أن تكون مضمومة النون؛ لأنه أمرٌ، من رَنَا يَرْنُو، فتُحذف الواو لبناء الأمر، ويبقى ما قبلها مضمومًا على أصله، ولم يُحقَّق ضَبْطه كذلك. وقد ذكر الخطّابيّ في هذه اللفظة أوجهًا محتملةً، لم يجئ بها تقييد عن مُعتبَر، ولا صحّت بها روايةٌ، رأيت الإضراب عنها؛ لعدم فائدتها، وبُعدها عن مقصود الحديث، وأثبتُّ ما فيها روايةٌ، وأقربه معنًى مَن جعله من رؤية العين، وذلك أن اللِّيط والمروة، وما أشبههما مما ليس بمحدَّد يُخاف منه ألا يكون مُجْهِزًا، فإن لم يستعجل بالْمَرِّ لم يَقطَع، وربما يموت الحيوان خنقًا، فإذا استعجل في المرّ، ورأى أن الدم قد سال من موضع القطع، فقد تحقّق الذبح المبيح، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى كلام القرطبيّ (١).
وقال في "الفتح": قوله: "فقال: أعجل، أو أرن": في رواية كريمة - بفتح الهمزة، وكسر الراء، وسكون النون - وكذا ضبطه الخطابيّ في "سنن أبي داود"، وفي رواية أبي ذر - بسكون الراء، وكسر النون - ووقع في رواية الإسماعيليّ من هذا الوجه الذي هنا:"وأرني" بإثبات الياء آخره، قال الخطابيّ: هذا حرف طالما استثبت فيه الرواة، وسألت عنه أهل اللغة، فلم أجد عندهم ما يُقطع بصحته، وقد طلبت له مَخرَجًا، فذكر أوجهًا:
[أحدها]: أن يكون على الرواية بكسر الراء، من أَرَانَ القومُ: إذا هلكت مواشيهم، فيكون المعنى: أهلَكَها ذبحًا.
[ثانيها]: أن يكون على الرواية بسكون الراء بوزن أَعْطِ؛ يعني: أَنْظِرْ، وأَنظِر، وانتظر بمعنى، قال الله تعالى، حكاية عمن قال:{انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ} الآية [الحديد: ١٣]؛ أي: أنظرونا. أو هو بضم الهمزة بمعنى أَدِمِ الْحَزَّ، من قولك