للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

قومٍ، ولم يُعيِّنهم، وحكى ابن المنذر عن عليٍّ - رضي الله عنه - النهي عن أكله، والجمهور من السلف والخلف على إباحته؛ لِمَا ذكرناه، وقد كرهه آخرون: فمنهم من كرهه استقذارًا، ومنهم من كرهه مخافة أن يكون مما مُسخ، وقد جاء في هذه الأحاديث التنبيه على هذين التعليلين، وقد جاء في غير كتاب مسلم: أنه - صلى الله عليه وسلم - كرهه لرائحته، فقال: "إني تحضرني من الله حاضرة" يريد: الملائكة، فيكون هذا كنحو ما قال في الثوم: "إِنِّي أناجي من لا تناجي"، ولا بُعْد في تعليل كراهة الضبّ بمجموعها. انتهى (١).

وقوله: (ولَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي) ظاهره أنه لم يكن موجودًا في مكة، وقد حُكي عن بعض العلماء: أن الضبَّ موجودٌ عندهم فيها؛ غير أنه قليل، وأنهم لا يأكلونه، والله تعالى أعلم (٢).

قال الزرقانيّ - رحمه الله -: ومعنى الاستدراك هنا تأكيد الخبر، كأنه لمّا قال: ليس بحرام، قيل: ولم لا تأكله أنت؟ قال: لأنه لم يكن بأرض قومي. انتهى (٣).

وقوله: (فَأَجِدُنِي) الفاء فيه سببيّة؛ أي: بسبب أنه لم يكن بأرض قومي أجدني (أَعَافُهُ)؛ أي: أكرهه، يقال: عِفْت الشيءَ أعافه عيفًا: إذا كرهته، وعِفْتُه أُعِيفُه عِيَافة: من الزجر، وعافَ الطيرُ يَعيفُ: إذا حام على الماء ليشرب (٤).

وقوله: (فَاجْتَرَرْتُهُ، فَأَكَلْتُهُ، وَرَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَنْظُرُ، فَلَمْ يَنْهَنِي) هذا تقرير منه - صلى الله عليه وسلم - على جواز أكله، ولو كان حرامًا لم يقرَّ عليه، ولا أُكِلَ على مائدته، ولا بحضرته، فثبت: أنه حلال مطلقٌ لعينه، وإنَّما كرهه لأمور خارجةٍ عن عينه، كما نصَّ عليها فيما ذكرناه آنفًا (٥).

والحديث متّفقٌ عليه، وقد مضى تمام البحث فيه في الحديث الماضي، ولله الحمد والمنّة.


(١) "المفهم" ٥/ ٢٣٠.
(٢) "المفهم" ٥/ ٢٣٠.
(٣) "شرح الزرقانيّ" ٤/ ٤٧٣.
(٤) "المفهم" ٥/ ٢٣٠.
(٥) "المفهم" ٥/ ٢٣٢.