للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حاله، وضعفه عن المقام بالمدينة، فأشفق عليه، ورَحِمَه: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب: ٤٣]. انتهى (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: قال العلماء: والمراد بالهجرة التي سأل عنها هذا الأعرابيّ: ملازمة المدينة مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وتَرْك أهله، ووطنه، فخاف عليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن لا يقوى لها، ولا يقوم بحقوقها، وأن ينكُص على عقبيه، فقال له: إن شأن الهجرة التي سألت عنها لشديد، ولكن اعمل بالخير في وطنك، وحيث ما كنت، فهو ينفعك، ولا ينقصك الله منه شيئًا، والله أعلم. انتهى (٢).

(فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: "فَهَلْ تُؤْتِي)، وفي بعض النسخ: "تؤدّي" (صَدَقَتَهَا؟)؛ أي: زكاتها، (قَالَ: نَعَمْ) زاد في رواية: "هل تحلُبها يوم وِرْدها؟ "؛ يعني: أنهم كانوا إذا اجتمعوا عند ورود المياه، حَلَبُوا مواشيهم، فسَقَوا المحتاجين، والفقراء المجتمعين على المياه.

(قَالَ: "فَاعْمَلْ مِنْ وَرَاءِ الْبحَارِ)؛ أي: فات بالخيرات كلّها، وإن كنت وراء القرى، وسكنت أقصى الأرض، فلا يضرّك بُعدك عن المسلمين. قال النوويّ: قال العلماء: والمراد بالبحار هنا: القرى، والعرب تسمّي القرى: البحار، والقريةُ: البحيرة. انتهى. وقال في "الفتح": هذا مبالغة في إعلامه بأن عمله لا يضيع في أي موضع كان.

(فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَتِرَكَ) بفتح التحتانيّة، وكسر المثنّاة، ثم راء، وكاف؛ أي: لن ينقُصك، يقال: وتَره يتره، من باب وعد: إذا نقصه، فهو من التِّرَة؛ كالعِدَة، والكاف مفعول به. وقال السنديّ: ويحتمل أنه من الترك، فالكاف من الكلمة؛ أي: لا يترك شيئًا من عملك، مهمَلًا، بل يُجازيك على جميع أعمالك، في أي محلّ فعلت. والله تعالى أعلم. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الاحتمال الذي ذكره السنديّ رحمه الله تعالى، إن صحّت الرواية به، فذاك، والا فالضبط الأول متعيّنٌ. والله تعالى أعلم.

(مِنْ عَمَلِكَ شَيْئًا")؛ أي: من ثواب عملك شيئًا، حيث كنت.


(١) "المفهم" ٤/ ٧١ - ٧٢.
(٢) "شرح النوويّ" ١٣/ ٩.