وهذه الكلمة صارت مثلًا للتحريض على العفو عند المقدرة، تمثّلت بها عائشة - رضي الله عنها - لعليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - يوم الجمل، حين ظهر على الناس، فدنا من هودجها، ثم كلّمها بكلامٍ فأجابته:"ملكتَ، فأسجِحْ"؛ أي: ظَفِرت، فأحسِنْ، فجهّزها عند ذلك بأحسن الجهاز، وبعث معها أربعين امرأةً وقيل: سبعين، حتى قَدِمت المدينة (١).
زاد في رواية للبخاريّ:"إنَّ القوم لَيُقْرَوْنَ في قومهم"، وفي رواية:"من قومهم".
وفي رواية إياس التالية:"إنهم الآن لَيُقْرَون في أرض غَطَفان"، و"يُقْرَون" - بضم أوله، وسكون القاف، وفتح الراء، وسكون الواو - من الْقِرَى، وهي الضيافة.
ولابن إسحاق: فقال: "إنهم الآن لَيُغْبَقُون في غطفان"، وهو بِالغين المعجمة الساكنة، والموحدة المفتوحة، والقاف، من الْغَبُوق: وهو شُرْب أول الليل، والمراد: أنهم فأتوا، وأنهم وصلوا إلى بلاد قومهم، ونزلوا عليهم، فهم الآن يَذبحون لهم، ويُطعمونهم.
وفي رواية إياس:"قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: نَحَر لهم فلان جَزورًا، فلمّا كَشفوا جِلْدها، رأوا غبارًا، فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين".
(قَالَ) سلمة - رضي الله عنه -: (ثُمَّ رَجَعْنَا)؛ أي: إلى المدينة، (ويُرْدِفُني رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى نَاقَتِهِ)، وفي رواية إياس:"ثم أردفني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وراءه على العضباء"، وفيه تشجيع لسلمة - رضي الله عنه -، ومكافأة لِمَا فعل في الأعداء - رضي الله عنه -. (حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ)، وفي رواية إياس: "فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رَجّالتنا اليوم سلمة، قال سلمة: ثم أعطاني سهم الراجل والفارس
(١) راجع: كتاب "الأمثال" لأبي عُبيدة ص ١٥٤ رقم (٤٣٩)، و"المستقصى" للزمخشريّ ٢/ ٣٤٨، و"مجمع الأمثال" للميدانيّ ٢/ ٢٨٣.