للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حذيفة - رضي الله عنه - أنه فَهِم من الرجل أنه لو أدرك النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لبالغ في نُصرته، ولزاد على الصحابة - رضي الله عنهم -، فأخبره بخبره في ليلة الأحزاب، وقصدُهُ زجره عن ظنّه أنه يفعل أكثر من فعل الصحابة - رضي الله عنه -. انتهى (١).

وقال ابن إسحاق - رَحِمَهُ اللهُ - في "السيرة": حدّثني يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب الْقُرَظيّ، قال: قال رجل من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان: يا أبا عبد الله، أرأيتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: فكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنّا نَجْهَد، قال: فقال: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا، قال: فقال حذيفة: يا ابن أخي، والله لقد رأيتنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالخندق … فذكر الحديث (٢).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: لَمَّا قال هذا الرجل هذا الكلام، ولم يستثن فيه، فَهِمَ منه حذيفة - رضي الله عنه - الجزم، والقطع بأنه كذلك كان يفعل، فأنكر ذلك عليه، وأخبره بما يَفْهَم منه أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا أقوى في دين الله، وأحرص على إظهاره، وأحب في رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأشجع منك، ومع ذلك فقد انتهت بهم الشدائد، والمشاقّ إلى أن حصل منهم ما ذكره، وإذا كان هذا فغيرهم بالضَّعف أَولى.

وحاصله: أن الإنسان ينبغي له أن لا يتمنى الشدائد، والامتحان، فإنه لا يدري كيف يكون حاله فيها، فإن ابتُلِي صبر، وإن عوفي شكر. انتهى (٣).

وقال الأبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "أنت تفعل ذلك؟ " إنكار على الرجل؛ لأنه فَهِمَ منه أنه يزيد على الصحابة، فأخبره بخبر ليلة الأحزاب، قال: ويَحْتَمِل أنه إنما أنكر عليه؛ لأنه أمر مغيّبٌ، لو حضَر لأمكن أن يعجز، كما سكت القوم، ولم يجبه أحدٌ؛ لعظم المشقّة، مع أنهم أحرص الناس على عمل البرّ، لا سيّما وقد ضمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجعله الله تعالى معه يوم القيامة (٤).

(لَقَدْ رَأَيْتُنَا)؛ أي: رأيت أنفسنا أيها الصحابة، (مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لَيْلَةَ


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١٤٥.
(٢) "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٣١.
(٣) "سيرة ابن هشام" ٢/ ٢٣١ و"المفهم" ٣/ ٦٤٦ - ٦٤٧.
(٤) راجع: "شرح الأبيّ" ٥/ ١٣٠.