بيت الله، والله أعلم، ذكره النوويّ رحمه الله (١).
وقوله: (شُكْرًا لِمَا أَبْلَاهُ اللهُ)؛ أي: أنعم الله تعالى به عليه، وأناله إيّاه، ويُستعمل ذلك في الخير والشرّ، قال الله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} [الأنبياء: ٣٥]، قال القرطبيّ رحمه الله: وأصل الابتلاء الاختبار، وفيه لغتان، يقال: بَلا ثلاثيًّا، وأبلى رباعيًّا، وقد جمعهما زهير في قوله [من الطويل]:
جَزَى اللهُ بِالإِحْسَانِ مَا فَعَلَا بِكُمْ … وَأَبْلَاهُمَا خَيْرَ الْبَلَاءِ الَّذِي يَبْلُو
وقيل: أبلى في الخير، وبَلا في الشرّ، والأول أشهر، قاله القرطبيّ (٢).
وقوله: (وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: "مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ").
وقوله: (وَقَالَ: "إِثْمَ الْيَرِيسِيِّينَ")؛ أي: بالياء في أوله بدل الهمزة، وقد تقدّم تمام البحث فيه في الحديث الماضي.
وقوله: (وَقَالَ: بِدَاعِيَةِ الإِسْلَامِ)؛ أي: بالكلمة الداعية إلى الإسلام، وهي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، أو الداعية هنا بمعنى الدعوة، كما قال بعضهم في قوله تعالى: {خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ} [غافر: ١٩]؛ أي: خيانتها، وأنه من المصادر التي جاءت على فاعلة، ومنه قوله تعالى: {لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (٥٨)} [النجم: ٥٨]، أفاده القاضي عياض رحمه الله (٣).
[تنبيه]: رواية صالح بن كيسان، عن الزهريّ هذه ساقها البخاريّ رحمه الله في "الجهاد" من "صحيحه"، إلا أنه رواه بلفظ: "بِدِعَاية الإسلام"، كرواية معمر السابقة، فقال:
(٢٩٤٠) - حدّثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، عن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أنه أخبره: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى قيصر، يدعوه إلى الإسلام، وبعث بكتابه إليه مع دحية الكلبيّ، وأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يدفعه إلى عظيم بصرى؛ ليدفعه إلى قيصر، وكان قيصر لَمّا كَشَف الله عنه جنود فارس، مشى من حمص إلى إيلياء؛ شُكْرًا لِمَا أبلاه الله، فلما جاء قيصر كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ١١١.
(٢) "المفهم" ٣/ ٦١١.
(٣) "إكمال المعلم" ٦/ ١٢٤.