للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(فَنَظَرَ) ذلك الرجلُ (إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ، فَخَرَّ)؛ أي: سقط ذلك المشرك (مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْه، فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ) ببناء الفعل للمفعول؛ أي: أثّر فيه أثرًا؛ كالخطام، وهو الزمام، إلَّا أنه أرقّ منه، والخطم، والخرطوم: الأنف (١). (وَشُقَّ وَجْهُهُ) ببناء الفعل للمفعول أيضًا، (كَضَرْبَةِ السَّوْط، فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الأَنْصَارِيُّ، فَحَدَّثَ بِذَلِكَ) وفي بعض النسخ: "فحدّث ذلك"، (رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("صَدَقْتَ)؛ أي: في هذا الذي أخبرت به، من هذه القصّة، (ذَلِكَ)؛ أي: القائل: أقدم حيزوم، وقاتِل ذلك الرجل بضربه، (مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ" أي: من ملائكة السماء الثالثة التي أُمِدُّوا بهم، وهذا يدلّ على أنهم كانوا أُمدّوا بملائكة من كلّ سماء، ويدلّ هذا الخبر على أنَّ الملائكة قاتلت يومئذ، وهو قول أكثر أهل العلم، قاله القرطبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٢). (فَقَتَلُوا) بالبناء للفاعل؛ أي: قتل المسلمون (يَوْمَئِذٍ)؛ أي: يوم بدر، (سَبْعِينَ) من المشركين، (وَأَسَرُوا)؛ أي: أخذوا من المشركين (سَبْعِينَ. قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ) سماك الحنفيّ (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) - رضي الله عنهما - (فَلَمَّا أَسَرُوا الأُسَارَى) بضمّ الهمزة: جمع أسير، ويُجمع أيضًا على أَسْرَي، كسُكَارَي، وسَكْرَي، (قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) - رضي الله عنهما - ("مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الأُسَارَى؟ ") "ما" استفهاميّة؛ أي: أيّ شيء ترون فيهم؟.

قال القرطبيُّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا يدلّ على أنَّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما كان أُوحي إليه في أمرهم بشيء، فاستشارهم لينظروا في ذلك بالنظر الأصلح، فاختلف نظر أبي بكر وعمر، فمال أبو بكر إلى الإبقاء طمعًا في إسلامهم، وإلى الفداء؛ ليكون ذلك قوة عليهم، ومال عمر إلى القتل محْقًا للكفر، وقصاصًا منهم، وردعًا لأهله، فمال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى ما قال أبو بكر على مقتضى رأفته، ورحمته بالمؤمنين؛ ليتقوَّوا على عدوهم، وعلى مقتضى حرصه على إيمان من أُسر منهم. وكلٌّ من النظرين له أصول تشهد بصحته، بل نقول: إن نظر أبي بكر يشهد لصحته قضية سَرِيّة عبد الله بن جحش، وكانت قبل بدر بنحو ثلاثة أشهر، قُتِل فيها ابنُ الحضرميّ، وأُسِر عثمان بن عبد الله، والحكم بن كيسان، وأخذوا عِيْرهم، وقَدِمُوا على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقِبل فداء الأسيرين، ولَمّا عَظُم على الناس قتل


(١) "المفهم" ٣/ ٥٧٧.
(٢) "المفهم" ٣/ ٥٧٧.