للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للمؤاخذة، أو جزأها لما سكت عنه، وعلَّق المؤاخذة على غيره؛ لأن ذلك خلاف البيان الواجب عند الحاجة إليه.

وهذا الذي صار إليه القاضي هو الذي عليه عامّة السلف، وأهل العلم من الفقهاء، والمحدّثين، والمتكلّمين، ولا يُلتَفت إلى من خالفهم في ذلك، فزعم أن ما يَهُمُّ به الإنسانُ، وإن وطّن نفسه عليه لا يؤاخذ به، متمسّكًا في ذلك بقوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا} [يوسف: ٢٤]، وبقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما لم يعمل، أو يتكلّم به"، ومن لم يعمل بما عَزَم عليه، ولا نَطَقَ به، فلا يؤاخذ به، وهو متجاوَزٌ عنه.

والجواب عن الآية: أن من الهمّ ما يؤاخذ به، وهو ما استقرّ، واستوطن، ومنه ما يكون أحاديث لا تستقرّ، فلا يؤاخذ بها، كما شهد به الحديث، وما في الآية من القسم الثاني، لا الأول، وفي الآية تأويلات، هذا أحدها، وبه يحصل الانفصال.

وعن قوله: "ما لم يَعمل" أن توطين النفس عليه عملٌ يؤاخذ به، والذي يرفع الإشكال، ويُبيّن المراد بهذا الحديث حديث أبي كبشة الأنماريّ (١) أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما الدنيا لأربعة نفر … " الحديث (٢).


(١) اختُلف في اسمه قيل: هو سعد بن عمرو، وقيل: عمرو بن سعد، وقيل: عُمَر، أو عامر بن سعد، صحابيّ نزل الشام، وجزم الترمذيّ في "الجامع" بأن اسمه عُمَر بن سَعْد، قاله في "تهذيب التهذيب" ٤/ ٥٧٦.
(٢) حديث صحيح. أخرجه الإمام أحمد في "مسنده" (١٧٥٧٠)، والترمذيّ في "جامعه" (٢٢٤٧)، عن سعيد أبي الْبَخْتريّ الطائيّ، عن أبي كبشة الأنماريّ - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ثلاث أُقسم عليهنّ، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه، قال: فأما الثلاث الذي أُقسم عليهنّ، فإنه ما نَقَصَ مال عبد صدقةٌ، ولا ظُلِم عبد بمظلمة، فيصبر عليها إلا زاده الله عز وجل بها عزًّا، ولا يفتح عبد باب مسألة، إلا فَتَحَ الله له باب فقر"، وأما الذي أحدثكم حديثًا، فاحفظوه، فإنه قال: "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله عز وجل مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويَصِلُ فيه رَحِمه، ويعلم لله عز وجل فيه حقّه، قال: فهذا بأفضل المنازل، قال: وعبد رزقه الله عز وجل علمًا، ولم يرزقه مالًا، قال: فهو يقول: لو كان لي مالٌ عملت =