للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

البيعة، ولا فيه، أما البيعة فقد اتَّفَق العلماء على أنه لا يُشترط لصحتها مبايعة كلّ الناس، ولا كلّ أهل الحلّ والعقد، وإنما يشترط مبايعة من تيسَّر إجماعهم من العلماء، والرؤساء، ووجوه الناس، وأما عدم القدح فيه، فلأنه لا يجب على كلّ واحد أن يأتي إلى الإمام، فيضع يده في يده، ويبايعه، وإنما يلزمه إذا عَقَد أهلُ الحلّ والعقد للإمام الانقيادُ له، وأن لا يُظهِر خلافًا، ولا يَشُقّ عصًا، وهكذا كان شأن عليّ - رضي الله عنه - في تلك المدّة التي قبل بيعته، فإنه لم يُظهر على أبي بكر خلافًا، ولا شقّ العصا، ولكنه تأخَّر عن الحضور عنده؛ للعذر المذكور في الحديث، ولم يكن انعقاد البيعة، وانبرامها متوقفًا على حضوره، فلم يجب عليه الحضور لذلك، ولا لغيره، فلمّا لم يجب لم يحضر، وما نُقِل عنه قدح في البيعة، ولا مخالفة، ولكن بقي في نفسه عَتْبٌ، فتأخر حضوره إلى أن زال العتب، وكان سبب العتب أنه مع وَجَاهته، وفضيلته في نفسه في كل شيء، وقُرْبه من النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وغير ذلك رأى أنه لا يُستَبَدّ بأمر إلا بمشورته وحضوره، وكان عذر أبي بكر، وعمر، وسائر الصحابة - رضي الله عنهم - واضحًا؛ لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع، تترتب عليه مفاسد عظيمة، ولهذا أخروا دفن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - حتى عقدوا البيعة؛ لكونها كانت أهمّ الأمور، كيلا يقع نزاع في مدفنه، أو كَفَنه، أو غُسْله، أو الصلاة عليه، أو غير ذلك، وليس لهم من يَفْصِل الأمور، فرأوا تقدّم البيعة أهمّ الأشياء، والله أعلم. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: من تأمل ما دار بين أبي بكر وعليّ - رضي الله عنهما - من المعاتبة، ومن الاعتذار، وما تضمَّن ذلك من الإنصاف، عَرَف أن بعضهم كان يعترف بفضل الآخر، وأن قلوبهم كانت متفقة على الاحترام والمحبة، وإن كان الطبع البشريّ قد يغلب أحيانًا، لكن الديانة تردّ ذلك، والله الموفق.

وقد تمسَّك الرافضة بتأخر عليّ عن بيعة أبي بكر - رضي الله عنه - إلى أن ماتت فاطمة - رضي الله عنها -، وهذيانهم في ذلك مشهور، وفي هذا الحديث ما يدفع في حجتهم، وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدريّ وغيره: أن


(١) "شرح النوويّ" ١٢/ ٧٧ - ٧٨.