للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال ابن المبارك وغير واحد، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال: يسألونك فيما شَذّ من المشركين إلى المسلمين في غير قتال، من دابة أو عبد أو أمة أو متاع، فهو نفل للنبيّ - صلى الله عليه وسلم - يصنع به ما يشاء.

وهذا يقتضي أنه فسر الأنفال بالفيء، وهو ما أُخذ من الكفار من غير قتال.

وقال ابن جرير: وقال آخرون: هي أنفال السرايا، حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا علي بن صالح بن حيي قال: بلغني في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} قال: السرايا.

ويعني هذا: ما ينفله الإمام لبعض السرايا زيادة على قسمهم مع بقية الجيش، وقد صرح بذلك الشعبي، واختار ابن جرير أنها الزيادات على القَسْم، ويشهد لذلك ما ورد في سبب نزول الآية، وهو ما رواه الإمام أحمد بسنده عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: لمّا كان يوم بدر، وقُتل أخي عُمَيْر، وقَتلتُ سعيد بن العاص، وأخذت سيفه، وكان يسمى "ذا الكتيفة"، فأتيت به نبيّ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "اذهب فاطرحه في القبض"، قال: فرجعت وبي ما لا يعلمه إلا الله من قتل أخي وأخذ سلبي، قال: فما جاوزت إلا يسيرًا حتى نزلت سورة الأنفال، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اذهب فخذ سيفك" (١).

وروى الإمام أحمد أيضًا بسنده عن سعد بن مالك قال: قلت: يا رسول الله، قد شفاني الله اليوم من المشركين، فهب لي هذا السيف، فقال: "إن هذا السيف لا لك ولا لي، ضعه". قال: فوضعته، ثم رجعت، قلت: عسى أن يُعْطَى هذا السيف اليوم من لا يبلي بلائي! قال: فإذا رجل يدعوني من ورائي، قال: قلت: قد أنزل الله فيّ شيئًا؟ قال: "كنتَ سألتني السيف، وليس هو لي وإنه قد وهب لي، فهو لك"، قال: وأنزل الله هذه الآية: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}.

ورواه أبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ من طُرُق، وقال الترمذيّ: حسن صحيح.


(١) "المسند" ١/ ١٨٠.