للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأنفال المذكورة في هذه الآية هي ما ينفله الإمام من الخمس؛ بدليل قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}، ولا يصح الحكم بالنسخ؛ إذ الجمع بين الآيتين ممكن، ومتى أمكن الجمع فهو أولى من النسخ، باتفاق الأصوليين.

وقال مجاهد في الآية: إنها محكمة، غير منسوخة، وأن المراد بالأنفال: ما ينفله الإمام من الخمس. وعلى هذا: فلا نفل إلا من الخمس، ولا يتعيّن الخمس إلا بعد قسمة الغنيمة خمسة أخماس، وهو المعروف من مذهب مالك، وقد رُوي عن مالك: أن الأنفال من خمس الخمس. وهو قول ابن المسيِّب، والشافعيّ، وأبي حنيفة، والطبري.

وأجاز الشافعي النفل قبل إحراز الغنيمة، وبعدها، وهو قول أبي ثور، والأوزاعيّ، وأحمد، والحسن البصريّ. انتهى كلام القرطبيّ رَحمه اللهُ (١)، وهو تحقيق حسنٌ، والله تعالى أعلم.

وقال القاضي عياض رَحمه اللهُ: الأظهر في قضيّة سعد هذه أنها كانت قبل نزول حُكم الغنائم، وإباحتها، وعليه يدلّ قوله في تمام الحديث الآخر: "خُذ سيفك، إنك سألتنيه، وليس لي، ولا لك، وقد جعله الله لي، وجعلته لك"، ويَحْتَمِل أن يكون بعد بيان الخمس، وقبل القسم، وهذا الخلاف في قوله: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} هل هو منسوخ، أو لا؟ فقيل: إنه منسوخ، وأن معنى الآية: إن الغنائم كانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصّةً، ثم نُسخ ذلك بأن جُعل أربعة أخماسها للغانمين؛ لقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}، وقيل: محكمة، وأن للإمام أن ينفّل من رأس الغنيمة ما شاء لمن شاء، وهو عن ابن عبّاس أيضًا، وقيل: هي محكمة، والمراد بالأنفال الخمس، وهي مثل آية: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ}، وقيل: هي محكمة، ومخصوصة، والمراد بها أنفال السرايا. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.


(١) "المفهم" ٣/ ٥٣٦.
(٢) "إكمال المعلم" ٦/ ٥٥ - ٥٦.