للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث / الرقم المسلسل:

على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليكفّر عن يمينه، وليات الذي هو خير". فإنه لو كان الاستثناء يفيد بعد قطع الكلام لقال: فليستثن؛ لأنه أسهل من التكفير، وكذا قوله تعالى: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} [ص: ٤٤]، فإن قوله: استثن أسهل من التحيّل لحلّ اليمين بالضرب، وللزم بطلان الإقرارات، والطلاق، والعتق، فيستثني من أقرّ، أو طلّق، أو أعتق بعد زمان، ويرتفع حكم ذلك، فالأولى تأويل ما نُقل عن ابن عبّاس وغيره من السلف في ذلك.

وإذا تقرّر ذلك، فقد اختُلِفَ: هل يُشترط قصد الاستثناء من أول الكلام، أو لا، حَكَى الرافعيّ فيه وجهين، ونُقل عن أبي بكر الفارسيّ أنه نقل الإجماع على اشتراط وقوعه قبل فراغ الكلام، وعلّله بأن الاستثناء بعد الانفصال ينشأ بعد وقوع الطلاق مثلًا، وهو واضحٌ، ونقله معارض بما نقله ابن حزم أنه لو وقع متّصلًا به كفى، واستدلّ بحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- رفعه: "من حلف، فقال: إن شاء الله، لم يحنث"، واحتجّ بأنه عقّب الحلف بالاستثناء باللفظ، وحينئذ يتحصّل ثلاث صور: أن يقصد من أوله، أو من أثنائه، ولو قبل فراغه، أو بعد تمامه، فيختصّ نقلُ الإجماع بانه لا يفيد في الثالث، وأبعدَ من فَهِم أنه لا يفيد في الثاني أيضًا، والمراد بالإجماع المذكور إجماع من قال: يُشترط الاتصال، وإلا فالخلاف ثابتٌ، كما تقدّم، والله أعلم.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: دعوى الإجماع هنا، لا وجه له، كما يظهر لمن تتبّع الأقوال في هذه المسألة، إلا أن يدّعى لأهل مذهب معيّن أنهم أجمعوا على ذلك، فليُتأمل، والله تعالى أعلم.

وقال ابن العربيّ: قال بعض علمائنا: يشترط الاستثناء قبل تمام اليمين، قال: والذي أقول: إنه لو نوى الاستثناء مع اليمين لم يكن يمينًا، ولا استثناء، وإنما حقيقة الاستثناء أن يقع بعد عقد اليمين، فيحلّها الاستثناء المتّصل باليمين. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي الذي قاله ابن العربيّ رحمه الله هو الأشبه مما ادّعاه مَن سبق قوله مِن الإجماع على خلافه. فتنبّه، والله تعالى أعلم.