للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإن كان متبرعًا باليمين فعلى نية الحالف، وهذا قول عبد الملك وسحنون، وهو ظاهر قول مالك، وابن القاسم، وقيل: عكسه، وهي رواية يحيى عن ابن القاسم، وقيل: تنفعه نيّته فيما لا يُقْضَى به عليه، ويفترق التبرع وغيره فيما يُقْضَى به عليه، وهذا مروي عن ابن القاسم أيضًا، وحُكِي عن مالك أن ما كان من ذلك على وجه المكر والخديعة، فهو فيه آثمٌ، حانثٌ، وما كان على وجه العذر فلا بأس به، وقال ابن حبيب عن مالك: ما كان على وجه المكر والخديعة فله نيّته، وما كان في حقّ فهو على نية المحلوف له، قال القاضي: ولا خلاف في إثم الحالف بما يقع به حقّ غيره، وإن وَرَّى، والله أعلم. انتهى (١).

وقال الإمام ابن حزم رحمه الله: وأما من لزمته يمين لخصمه -وهو مبطل- فلا ينتفع بتوريته، وهو عاص لله تعالى في جحوده الحق، عاص له في استدفاع مطلب خصمه بتلك اليمين، فهو حالف يمين غموس، ولا بد، ثم أورد حديث الباب، ثم قال: ولا يكون صاحب المرء إلا من له معه أمر يجمعهما يصطحبان فيه، وليس إلا ذو الحق الذي له عليك يمين تؤديها إليه ولا بد.

وأما من لا يمين له عندك فليس صاحبك في تلك اليمين. انتهى (٢).

وقال الصنعانيّ رحمه الله: الحديث دليل على أن اليمين تكون على نية المحلِّف، ولا ينفع فيها نية الحالف إذا نوى بها غير ما أظهره، وظاهره الإطلاق، سواء كان المحلِّف له الحاكم، أو المدَّعِي للحقّ، والمراد حيث كان المحلف له التحليف، كما يشير إليه قوله: "على ما يصدقك به صاحبك"، فإنه يفيد أن ذلك حيث كان للمحلِّف التحليف، وهو حيث كان صادقًا فيما ادّعاه على الحالف، وأما لو كان على غير ذلك كانت النية نية الحالف، واعتبرت الشافعية أن يكون المحلِّف الحاكمَ، وإلا كانت النية نية الحالف. انتهى (٣).

وقال الشوكانيّ رحمه الله: في الحديث دَلِيلٌ على أَنَّ الاعْتِبَارَ بِقَصْدِ الْمُحَلِّفِ من غَيْرِ فَرْقٍ بين أَنْ يَكُونَ الْمُحَلِّفُ هو الْحَاكِمَ أو الْغَرِيمَ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ


(١) "شرح النوويّ" ١١/ ١١٩ - ١٢٠.
(٢) "المحلّى" ٥/ ٨٤٩.
(٣) "سبل السلام" ٤/ ١٠٢.