طرق صحاح متصلة، عن زهدم، عن أبي موسى، وطريق مطر التي انتقدها الدارقطنيّ إنما أوردها مسلم في الشواهد لا في الأصول.
وإذا كان الحديث متصلًا من وجه صحيح، ثم روي من وجه آخر دونه في الصحة، وفي اتصاله نظر، فلا يؤثر ذلك في ثبوته واتصاله من الوجه الآخر.
على أن مطرًا قد قال فيه: حدّثنا زهدم، وليس هو ممن يُتَّهَم بالكذب، لكنه سيئ الحفظ عندهم، وقد سئل عنه يحيى بن معين، فقال: صالح، وكذلك قال أبو حاتم الرازي.
ويَحْتَمِل أن يكون مطر قد سمعه من القاسم بن عاصم، عن زهدم، كما ذكر الدارقطنيّ، ثم لقي زهدمًا، فسمعه منه، فحدّث به تارةً هكذا، وتارةً هكذا، والله أعلم بالصواب. انتهى كلام الرشيد العطّار رحمه الله (١)، وهو تحقيق نفيسٌ.
[تنبيه آخر]: رواية مطر الورّاق، عن زهدم الْجَرْميّ هذه ساقها الطبرانيّ رحمه الله في "المعجم الصغير"، فقال:
(١٥٠) - حدّثنا أحمد بن إسماعيل الوساوسيّ البصريّ، حدّثنا شيبان بن فَرُّوخ، حدّثنا الصَّعْق بن حَزْن العيشيّ، حدّثنا مَطَرٌ الورّاق، حدّثنا زَهْدم الْجَرْميّ، قال: دخلت على أبي موسى الأشعريّ، وهو يأكل لحم دجاج، فقال: هَلُمّ، فكُلْ، فقلت: إني حلفت لا آكل لحم الدجاج، فقال أبو موسى: كُلْ، فإني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأكل منه، وسأنبئك عن يمينك، أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا وأصحابي -وأصحاب لي- نستحمله، فحلف أن لا يحملنا، وما عنده حُمْلان، فوالله ما بَرِحْنا، حتى أتته قلائصُ، غُرّ الذُّرَى، فأمر لنا بحُمْلان، فلما خرجنا ذَكَرْنا يمين رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرجعنا إليه، فقال:"ما رَدَّكم؟ "، قلنا: ذَكَرْنا يمينك يا رسول الله، وخشينا أن تكون نسيتها، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إني والله ما نسيتها، ولكن من حلف على يمين، فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه".