للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ رحمه الله تعالى: لا حجة في هذا الحديث للمكفِّرة بالذنوب؛ لأنا نقول: إن طائفةً من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم، ثم يُخرجون منها بتوحيدهم، أو بالشفاعة لهم، كما سيأتي في الأحاديث الصحيحة، ويجوز أن يكون هذا الغالّ منهم، والله تعالى أعلم (١).

(ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَا ابْنَ الْخَطَّاب، اذْهَبْ، فَنَادِ فِي النَّاسِ: إِنَّهُ) يحتمل أن يكون بفتح الهمزة، وكسرها، كما مرّ نظيره قريبًا، فالفتح يكون بتقدير حرف جرّ: أي بأنه، والكسر يكون حكاية لفظ النداء، أي ناد بهذا اللفظ (لَا) نافية، ولذا رُفع الفعل بعدها (يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أي دخولًا أوّليًّا؛ توفيقًا بينه وبين النصوص التي تدلّ على أن الموحّدين يدخلون الجنّة، وإن ارتكبوا كبائر (إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ) الاستثناء مفرّغ، ولذا يرفع "المؤمنون" على أنه فاعل بـ "يدخُلُ" (قَالَ) عمر - رضي الله عنه - (فَخَرَجْتُ، فَنَادَيْتُ: أَلَا) أداة استفتاح وتنبيه، يُلقى بها للمخاطب؛ تنبيهًا له، وإزالة لغفلته، وقد مرّ قريبًا نظيرها "أما" (إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ).

[تنبيه]: قال الإمام الحافظ أبو عوانة رحمه الله تعالى في "مسنده المستخرج على صحيح مسلم" (١/ ٤٨) بعد أن أخرج هذا الحديث، ما نصّه:

قال أبو عوانة: قد صَحَّ في حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا أن ينادي: أنه "لا يدخل الجَنَّة إلَّا نفس مسلمة وأمر عمر أن ينادي: "لا يدخل الجَنَّة إلَّا المؤمنون وقال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)} [آل عمران: ٨٥]، وقد وَصَف الله صفة المؤمنين في أول "سورة الأنفال"، وفي "سورة المؤمنين"، فقال: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١)} [الأنفال: ١]- إلى قوله: {يُنْفِقُونَ} [الأنفال: ١ - ٣]، وقال: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)} إلى قوله: {يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: ١١] [المؤمنون: ١ - ١١].

قال أبو عوانة: وسألت المزني في أول ما وقع الخبر إلينا بمصر أن


(١) "المفهم" ١/ ٣٢١.