للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فاتركوه، ولا يلزم من ذلك أن يكونا جميعًا في عقد واحد. انتهى (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في اشتراط التقابض في الصرف قبل التفرّق:

قال ابن قُدامة -رَحِمَهُ اللهُ-: قال ابن المنذر -رَحِمَهُ اللهُ-: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم، على أن المتصارفين إذا افترقا، قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد، والأصل فيه قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدًا بيد"، و"نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق دَينًا، ونهى أن يباع غائب منها بناجز"، وكلها أحاديث صحاح، ويجزئ القبض في المجلس وإن طال، ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما، أو إلى الصرّاف فتقابضا عنده جاز، وبهذا قال الشافعيّ، وقال مالك: لا خير في ذلك؛ لأنهما فارقا مجلسهما.

والأصحّ أنهما لم يفترقا قبل التقابض، فأشبه ما لو كانا في سفينة، تسير بهما، أو راكبين على دابة واحدة تمشي بهما، وقد دل على ذلك حديث أبي برزة الأسلميّ -رضي الله عنه- في قوله للذَين مشيا إليه من جانب العسكر: وما أراكما افترقتما.

وإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف؛ لفوات شرطه، وإن قبض البعض، ثم افترقا بطل فيما لم يقبض، وفيما يقابله من العوض، وهل يصح في المقبوض؟ على وجهين، بناء على تفريق الصفقة، ولو وكل أحدهما وكيلًا في القبض، فقبض الوكيل قبل تفرقهما جاز، وقام قبض وكيله مقام قبضه، سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض، أو لم يفارقه، وإن افترقا قبل قبض الوكيل بطل؛ لأن القبض في المجلس شرط، وقد فات، وإن تخايرا قبل القبضى في المجلس، لم يبطل العقد بذلك؛ لأنهما لم يفترقا قبل القبض، ويَحْتَمِل أن يبطل، إذا قلنا بلزوم العقد، وهو مذهب الشافعيّ؛ لأن العقد لم يبق فيه خيار قبل القبض، أشبه ما لو افترقا، والصحيح الأول؛ فإن الشرط التقابض في


(١) "الفتح" ٦/ ٣١٨ "كتاب الشركة" رقم (٢٤٩٧).